الصحوة – سُعاد بنت سرور البلوشية
يروي هلال الصباري بإختصار سيرة حياته مع القمح، المحصول الأهم والأكثر شهرة في سلطنة عُمان وبمحافظة الداخلية بشكل خاص وفي تنوف على وجه التحديد بقوله: “منذ الطفولة وأنا أشاهد أجدادي وأبائي في كفاح سنوي متواصل لزراعة القمح، عبر مختلف مراحله التي بقيت محفورة في ذاكرتي حتى بلغت سن القدرة على المشاركة، فكانت لي عدة أدوار فضلاً عن تعاون مختلف أفراد الأسرة ومن الجنسين على إنجاز العمل بسرعة، وفي الوقت المحدد لحصاده وتوزيعه على الأسواق القريبة منا”.
ومن مواقف الصغر ترسخت لدى أبناء تنوف والمناطق المحاذيه لها أهمية الزراعة ودورها في تعزيز الأسواق بمنتجات محلية، وتزويد أفراد المجتمع بمواد غذائية واستهلاكية مزروعة في أرض الوطن، ليكبروا ويكبر حُلم الثراء المعرفي في الزراعة والأحلام لا تنتهي أبداً، ويصبح هاجس التوسع في هذه المهنة التي تلاقي إقبال كبير من جميع الفئات، وتشهد دعم حكومي واجتماعي مستمر، هو الحياة المقبلة.
حيث يقول هلال: “وجود هذا المنتج منذ سنين عدة بمثابة مؤشر مهم على قدرة السلطنة في المنافسة عالمياً، وتصدير كميات كبيرة منه في الأسواق المحلية والخارجية، الأمر الذي سيساعد وفق مختلف التنبؤات على بقائه لحقب زمنية مستقبلية قادمة”.
فإذا ما كان للحكومة توجهات عدة وفقاً لرؤية عُمان 2040 في تفعيل دور المحافظات وإشراك الشباب في التنمية، ورفد السوق بالصناعات والمواد والأدوات المصنعة محلياً، فإن تكالب الجهود لتزويد القائمين على هذه المهن والحرف بالأدوات المبتكرة والتقنيات الحديثة، حاجة لا يمكن التغاضي عنها أو تجاهلها، لتحقيق التقدم في هذه المهن الزراعية عبر الاختصار في الوقت والجهد، مع الجودة والكفاءة في المخرجات.
وبالحديث عن التحديات التي يواجهها قطاع الزراعة وتحديداً القمح يشير هلال الصباري قائلاً: “لا شك أن للجهات المعنية أدواراً لا يمكن نكرانها، إلا أن مواكبة التطور من حولنا وخاصة في الجانب الزراعي، من ناحية تزويد المزارعين بالحراثات والأدوات المتعلقة بالحصاد وتوفير كميات مناسبة من الماء ضرورة ينبغي إيلاؤها الاهتمام، فالأسواق الخارجية أصبحت مليئة بالأجهزة المتقدمة التي نأمل توفيرها لنا، وبحيث تتاح للجميع فتصبح سهلة وقريبة، فالوضع الحالي أجبرنا على شراء معدات من خارج السلطنة، لنواجه تحدي توافر قطع الغيار محلياً عند الحاجة”.
إلا أن الوقوف سنوياً على تلك البقعة الممتدة بجوار جبال الحجر وبالقرب من مساكن مواطني تنوف، والتأمل في جمال ووقار سنبلات القمح وهي شامخة، يجعلنا ندرك طموح وعزيمة العُماني وإصراره في العمل بجد واجتهاد على رفعة شأن مجتمعه ووطنه بكل ما أوتي من سعه، ولعل من الحكمة أن يحذو أبناء مختلف الأجيال حذو صغار تنوف وعُمان من الأجيال الأولى، “ففي الصباحات الأولى من موسم حصاد القمح نخرج جميعنا دون أية فروقات كباراً وصغاراً، شيباً وشبانا، رجالاً ونساءاً، كما كان يفعل أجدادنا وبدأب لا تنقصه الهمه، على جني المحصول يداً بيد والابتسامة لا تفارقنا إيماناً منا بقدراتنا على الإنجاز والعطاء بتفوق”.
لكن بالمقابل هل سيظل الماء تحدياً لزراعة وإنتاج القمح في الأيام القادمة؟ هذا ما يشغل المزارعين ويؤرق تفكيرهم في أحيان كثيرة، كما هي الآمال التي تحكي بعمق حقيقة الشح الذي يواجهونه كون القمح يحتاج لكميات كبيرة من المياه، متطلعين لحلول فعالة في أن يغدو القمح نجماً في سماء الأسواق داخل السلطنة وخارجها.