الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
حقيقة تزداد – مع الزمن – جلاءً ونصاعة، مفادها أن الدول لا توزن بعدد ناطحات السحاب فيها، ولا بالأبراج الشاهقة التي عليها ، ولا يُقاس تأثيرها في المجتمع الدولي بكثرة تدخلها في الحروب والنزاعات هنا وهناك، بفعل أو بفضل مالٍ تمّ تسخيره لذلك المبتغى البغيض، ولا بالسعي الفج الوقح للسيطرة على ثروات الشعوب ومقدراتها، ولا تكون بحفلات البذخ والسفور والمجون التي تقيمها بمناسبة وبدون مناسبة، إرضاءً لعنجهية فكر رخيص محدود وقصير النظر .
إنّ وزن الدول، يقاس بما تقدمه للبشرية من إسهامات خيّرة في مجالات العلم والأدب والأخلاق والإنسانية، وبالمحبة والسلام والوئام .
لقد عانت البشرية من ويلات الحروب والنزاعات التي قضت على الملايين من الأفراد، وأهدرت موارد الشعوب الضعيفة المتعطشة للسلام، وخلفت الدمار والخراب في بقاع كثيرة من الكوكب الذي نعيش عليه .
ومن بين ركام هذه الحالة وسوادها، تنبري دول خصها الله لصناعة السلام لإيمانها بأنّ من حق هذه الشعوب أن تتعايش على الخير وبما يخدم الإنسانية جمعاء، فللشر شياطينه وللخير ملائكته، وما بين هذا وذاك يكمن تعاسة الإنسان أو سعادته .
وصناعة السلام لها صنّاعها الحاذقون المهَرة، كما وأن لها أسرارها وثقافتها وأصولها لا يجيدها غيرهم، بل وعرف العالم أن هؤلاء ملجؤهم في تلك الملمات، فتراه يسارع إليهم لطلب معونتهم وسديد رأيهم، لِما علم فيهم من صدق التعاطي وحسن النوايا، وبما وهبهم الله من قبول لدى الجميع.
المثل الشعبي العربي يقول : ليس كل من لوّح بالسيف صار فارساً، ولا كل من ركب الحصان خيّالاً ، وكم سمعنا من البعض عن مساعدته في إيجاد حلول كثير من النزاعات، وهي ترهات من نسج خيال أولئك الذين يريدون أن يضعوا لأنفسهم مكانة هم عنها كما بين المشرقين، والأسباب معروفة.
إن لكل مجال قواعده وفنه، وهكذا هي السياسة أيضاً، لها قوانينها لا يتقنها إلا من خبر الحياة وميّز بين الخير والشر، واستطاع أن يؤسس لنفسه ثقة آمن بها العالم واطمأن إليها .
ولعلّ عمان وحكّامها هم سادة تلك الصناعة ورسوخها فيهم، حتى أصبحت صناعة السلام منتج عماني، يقصده كل من همه أمر واستعصت عليه الحلول لمعضلات كبار، لأنّه يعلم تمام العلم أنّ في مسقط توجد الحكمة والاعتدال والاتزان بعيداً عن الصخب الإعلامي، فعمان لا تدعي فضلاً، بل تزدان فخراً ، ولا ترجو شكراَ وإنما تعمل خيراً .
والمتابع للأحداث السياسية خلال الفترة الأخيرة، لاحظَ حرص مسقط على بذل كل ما في وسعها؛ للدفع بحل الأزمة اليمنية، فأيّدت المبادرة السعودية بهذا الخصوص، واستقبلت الأطراف المعنية بهذا الشأن، فكان للحوثيين وجود، وللمبعوث الأممي والمبعوث الأمريكي كذلك، واستقبلت مسقط وزير الخارجية الإيراني، ثم تلاه وزير خارجية المملكة العربية السعودية الشقيقة، كل هذا يتمّ في صمت العقلاء والحكماء .
وإذا كان هذا حال الأزمة اليمنية فإنني أجزم بأنّ الجهود العمانية ليست ببعيدة عن المحادثات الجارية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، والإتحاد الأوروبي، بشأن الأزمة النووية هي الأخرى، وكان العالم قد أثنى على الجهود التي بذلتها بلادي سلطنة عُمان بين دولة قطر والجمهورية الموريتانية .
نعم هكذا هي سياسة مسقط الحكيمة، كانت وما زالت وستظل مصدرًا وقبلة كل الساعين والراغبين في السلام والوئام بقيادة سلطانها الفذ الهيثم المعظم، فلا حياد عن الاعتدال والسلام ، لأنه نهج الدولة والقيادة .
لله درّك يا وطن السلام، يا عمان.