مواجهة كبرى في تحقيق العدالة المجتمعية لأجل الإنسان العماني
“فوائد قوم عند قوم مصائب”
الصحوة – غصن الحارثي
دق منبه الرحيل، فقد حانت ساعة الانتهاء من العمل، قد تكون هذه المرحلة هي الأصعب ولكنها حتما هي الأفضل دائما، في حين أن هناك شخص يلملم ذاته ليرحل إلى موطنه، كنت أفكر بما سأتناوله على وجبة العشاء بعد يوم عمل طويل.
ركبت السيارة ثم رفعت صوت المذياع على فيروز حين تدندن “راجعين يا هوى راجعين” فتأتيني ذكريات الحنين لتكسر حاجز الشوق بداخلي، لففت وجهي علّي أجد مطعم ينال إعجاب معدتي المتشوقة للطعام الشهي، وما لبثت أن وجدت بائعا متجولا يضفي طريقته المذهلة في كسب الزبائن حين يقوم بالشواء على الهواء الطلق.
قصرت مسافتي وتوجهت نحوه وطلبت ألذ ما رأيته وأشهى ما شممته، ثم بدأت أتناول الطعام على عجل في سيارتي حتى لا يفقدني الجوع اتزاني، وحين عدت لوطني الصغير تركت كل شيء ورائي وركضت مسرعا للبحث عن علاج لصراخ معدتي السيء، كنت قد شعرت حينها بنوبات من الغثيان المستمر، شعرت كما لو أن ما أكلته كان هو قنبلة الانفجار لمعدتي لأبيت تلك الليلة في المشفى وكأن رحلة ذلك اليوم انتهت بالطريقة التي فقدت فيها متعتها.
مخالفة قانونًا:
ظاهرة وجود بائع متجول غير مرخص له أو يعمل بالطريقة غير القانونية هي قصة قد تتكرر كل فترة. بائع متجول غير حاصل على الرخصة ومشكلات صحية واجتماعية جديدة ترتبط بها. يجعلك في حالة تخوف مستمرة مما ستأكله غدا، ومما قد يتسبب في تهوسك من الطعام الخارجي بشكل كلي.
ماذا سيحدث بعد ذلك؟ وهل سيستمر الأمر في التزايد دون حل للمشكلة؟
تعد ظاهرة الباعة المتجولة غير المرخص لها إحدى الظواهر السلبية التي زادت انتشارا في المجتمع خاصة خلال الفترة الأخيرة، والتي اشتهرت بصورة كبيرة بالقرب من الأحياء السكنية خلال فترة الجائحة، وحسب ما أوضحته الإحصائيات الأخيرة فإن حوالي عدد من الناس تقدموا بالشكوى ضد الباعة غير المرخص لها، والتي تسببت لهم في العديد من الإصابات الصحية والتي تبعتها أعراض جانبية أخرى وأبرزها الأعراض النفسية التي خلقت بداخلهم بعض الوساوس من تناول الطعام الخارجي الذي استمر لدى البعض لفترة طويلة.
فقد أوضحت بلدية ظفار خلال الفترة الماضية أنه تم ضبط ما يقارب 48 بائعا متجولا غير مرخص له خلال شهر واحد فقط من عملية التفتيش المفاجئ في المحافظة.
حيث تم مصادرة 12 دراجة هوائية و3 عربات مع بعض المنتجات التي كانت بحوزتهم.
وحسب ما عبرت عنه بلدية ظفار فإن غالبية الباعة المتجولة غير المرخصة لها كانت من فئة العمالة الوافدة.
استياء عام:
الباعة المتجولين غير المرخصة لهم يشكلون ظاهرة من الظواهر الملفتة للانتباه في أي مجتمع من المجتمعات الريفية أو الحضرية، وخاصة على الجانب الاقتصادي والثقافي للدولة. وهذه الظاهرة بحاجة إلى تسليط الضوء عليها بصورة أكبر ومعرفة أسبابها وتداعيها للحد من انتشارها أو عمل برنامج لتنظيمها.
أبدى كثير من المتضررين استيائهم حيال الباعة المتجولة في الأحياء السكنية، كما تحدث البعض عن العديد من التأثيرات السلبية في الجانبي الصحي والنفسي التي خلفها هذا النوع من الباعة غير المرخص لها.
كما أبدوا تعاطفهم اتجاه هؤلاء الأشخاص ولكن في المقابل طلبوا أن يتفهموا موقفهم في صعوبة التعامل مع من لا يحمل وثيقة رسمية لممارسة عمله خاصة وأن تلك الوثيقة كرخصة ثقة بين البائع المتجول وبين المشتري.
وقد شاركنا بدر يعقوب الرحبي رأيه في هذا الأمر على اعتباره أحد المتضررين من الباعة المتجولة غير المرخص لها، مشيرًا بقوله أنه تلقى العلاج الفوري نتيجة تناوله لطعام فساد.
وهنا ذكر لنا الرحبي قصته أن الأمر حدث حين ذهب مع بعض أصدقائه لتناول المشاكيك وبعد أن تناولوا المشاكيك والروبيان تبين لهم بعد ذلك أنه فاسد مما تسبب له في تسمم وتغير في لون وجهه مع ألم شديد في المعدة لم يتحمله فتم نقله مباشرة إلى المستشفى السلطاني وتلقى هناك العلاج الفوري في قسم الطوارئ ليبقى تحت تأثير الأعراض الجانبية الصحية لمدة اسبوعين مع العلم كان الأمر خلال فترة دراسته في الجامعة فأثر ذلك على نفسيته ودراسته.
وبعد التحقق من الأمر تم الكشف أن ذلك البائع لا يمتلك رخصة كما أن الطعام الذي يبيعه فاسد وقد باعه لعدد من الأشخاص الذين قد يكونوا تضرروا مثل الرحبي.
وهناك أعداد كثيرة من الأشخاص الذين تعرضوا لمثل هذه المواقف من قبل الباعة المتجولة غير المرخصة وتسببت لهم في مشكلات كثيرة.
المتسببين في الظاهرة:
وقد توصلت لعدد من الباعة المتجولة غير المرخص لهم من العمانيين لأناقشهم في الأسباب التي دفعتهم للعمل دون رخص وإلى متى سيستمر حالهم، ولأننا نلتزم بحق الاحتفاظ بالاسم دون ذكره كامل على حسب رغبة المتحدث فقد أبدى البائع زايد وهو أحد الباعة المتجولين رأيه في الأمر مشيرا بقوله: ” لجأت إلى العمل دون رخصة كون ظروفي صعبة وأخذ التصريح يتطلب معاملات معقدة جدا”.
كما أشار زايد من جهة أخرى إلى أهمية الأخذ بالتصريح قائلا: “التصريح مهم لحمايتي من الجهات المختصة كما هو أيضا مهما لسلامة الزبائن”.
وحين سألنا زايد عن الحل الذي يراه لهذه المشكلة فذكر أن الأمر يتوقف على الأخذ بالترخيص وهو أيضا يحاول العمل جاهدا في الأخذ بالتصريح للاستمرار في العمل بسلام دون أي مشكلات قد تحدث مستقبلا.
الأضرار الصحية
يعكس وجود الباعة المتجولة نوعا من طقوس الشارع في رمضان، إلا أن الأمر أصبح أكثر انتشارا خلال الفترة الماضية، خاصة مع تكاثر أعداد المسرحين عن العمل في ظل وجود باحثين عن عمل ليصبح الأمر أكثر صعوبة في الحصول على ترخيص من الجهات المسؤولة في ظل تواجد الكثير من الباعة المتجولة.
ليبدأ الأمر في الاتجاه إلى زاوية أخرى للعمل تحت ظرف بائع متجول دون رخصة، والرخصة لا تقدم إلا لمن يستوفي الشروط فتجد الكثير ممن لا يستوفي الشروط يبيعون الطعام غير الصحي.
وهذا ما أثر على صحة الكثير من الأشخاص، بل وفقد بعضهم جزء من صحته نتيجة تناوله الطعام غير الصحي الذي يباع خارج الشروط المفروضة من الجهات المختصة.
حيث يشير جميع الأطباء إلى ضرورة التأكد من صحة الطعام الذي نتناوله مع محاولة تجنب الأطعمة الخارجية التي قد نجهل مصدرها وطريقة إعدادها والتي قد تتسبب في أعراض دائمة تفقدك صحتك على المدى البعيد.
رخصة الباعة المتجولة
وبحسب دراسة أخرجتها وزارة التجارة والصناعة سابقا وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار حاليا والتي استهدفت فيها الباعة المتجولة في جميع محافظات السلطنة دون استثناء فقد تبين لهم أن ما يقارب سبعة وتسعين بالمائة من أعداد الباعة المتجولة عبروا عن رضاهم بالإجراءات المتبعة من قبل الوزارة.
حيث وضح الباحث الاقتصادي سعيد البطاشي بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أن الدراسة قد تمت على 265 –مئتان وخمسة وستين- ترخيصا للباعة المتجولة وكان الغرض الأساسي منها هو معرفة التحديات التي قد تواجه الباعة المتجولة والأسباب التي قد تدفع بعض الباعة في العمل دون ترخيص، حيث أن هذه الدراسة قد تمت في 2019.
الأسباب الاجرائية
مما لا شك فيه أن موضوع الباعة المتجولة غير المرخص لها أصبحت تؤثر بصورة كبيرة على الدولة فالدراسة لها دور واضح في كشف ملامح الظاهرة عن قرب عن طريق الاتصال المباشر بالمواقع ورصد الظاهرة والتطبيق العملي للحلول التي تم اقتراحها لاكتشاف فاعليتها للحد أو المكافحة .
وهنا قد عبرنا بصوتنا عن الكثير من المتضررين الذين قد تكون أنت أحدهم دون أن تشعر بذلك.
وكما رأينا من الكثير أن أمر الرخصة مهم ولابد منه، وأن عدم وجودها يعني أن هناك خلل سيحدث في العملية التنظيمية والصحية للمجتمع.
لذا ارتأينا إلى أهمية اتباع الأسلوب الإلكتروني في أخذ الرخصة خاصة وأن وزارة التجارة والصناعة سابقا وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار حاليا خصصت بوابة استثمر لإكمال الاجراءات الخاصة بعملية أخذ الرخصة منذ 2015 والذي يجهلها البعض ويضطر لقطع مسافات من أجل أخذ الترخيص الخاص بالباعة المتجولة من الوزارة نفسها.
ومن زاوية أخرى وضع قوانين أكثر تشددا للمخالفين والذين قد يعرقلون القانون بل ويتجاوزنه إلى سلوك مخالف للقانون وهم الفئة التي لا تهتم بأهمية الصحة في كشتات الباعة المتجولة وفي الطعام المقدم للزبائن.
وعليه فإن تشجيع الأفراد على أخذ الرخصة هو أمر لابد منه خاصة وأن أسباب عدم أخذهم للرخصة غير مقنعة كما أنها يمكن أن تتجاوز دون أن تشكل عائقا حقيقيا على الفرد في العمل كبائع متجول مرخص له.
حيث ظهر أن غالبية الباعة المتجولة غير المرخص لها حسب تواصلنا مع بعضهم ومحادثتهم أنهم من فئة المسرحين من العمل حيث ازدادت النسبة خلال فترة الجائحة رغم معرفتهم وتقبلهم لأهمية أخذ الرخصة إلا أن معظمهم لم يعمل بالإجراءات المتبعة لأخذها.
وهنا لأجل تنظيم العملية الخاصة بالباعة المتجولة رأينا أن تشجيع الأفراد وإرشادهم لأخذ الرخصة، وفي الوقت نفسه يتم وضع قوانين صارمة لردع استمرارية الأفراد غير المرخص لهم.
ومن جهة أخرى القيام بحملات تفتيشية للباعة المتجولة بشكل مفاجئ لمعرفة الباعة غير المرخص لها ومصادرة الباعة الأجانب الذين ينص القانون على منعهم من العمل بشكل خاص تحت هذه الوظيفة.