مع معرض الكتاب: الإيجابيات والسّلبيات
بدر بن سالم بن حمدان العبريّ
باحث وكاتب عمانيّ
مرّ الكتاب الورقيّ بمرحلة عصيبة من تأريخ وجوده في هذه البسيطة، حيث استطاع الإنسان على مر تأريخه الانتقال من النّقل الشّفويّ إلى التّدوين من خلال ورق النّخيل واللّحاء، وعلى الصّخور والعظام، إلا أنّ المصريين القدامى استطاعوا ا اكتشاف ورق البرديّ، فحدثت نقلة نوعيّة في نشر الكتاب، وهنا انتشرت دور الوراقين أو النّساخ.
والمرحلة الثّانية مرحلة اكتشاف الطّباعة على يدي يوهان غوتنبرغ [ت 1468م] والّتي أحدثت نقلة نوعيّة وكبيرة في انتشار الكتاب بصورة أوسع.
إلا أنّ الكتاب مر في تأريخه بمراحل كبيرة نافست حضوره وانتشاره، وأول هذه المراحل الصّحافة حيث كان لها حضورا كبيرا، إلا أنّها بإعلاناتها ساعدت على التّرويج للكتاب، ثمّ أنّ بعض الكتاب كانوا ينشرون كتابهم مجزءا في الصّحف والمجلات، أو العكس حيث حولوا هذه المقالات الّتي كانوا ينشرونها في الصّحف والمجلات إلى كتاب، كما فعل مثلا محمود أبو رية [ت 1970م] حيث حول بعض كتابه أضواء على السّنة النّبويّة إلى مقالات في مجلّة الأزهر.
كذلك نافست الإذاعة والتّلفزة الكتاب، إلا أنّها أيضا ساعدت على انتشار الكتاب أيضا، فاستطاع أن يحوّل بعض الكتاب برامجهم الإذاعيّة والمتلفزة إلى كتاب، كما فعل عبد الله الطّائيّ [ت 1973م] أو فعل محبوه، حيث حول بعض برامجه في إذاعة الكويت في الستينيات من القرن العشرين إلى كتاب الأدب المعاصر في الخليج العربيّ.
وحاليا ظهرت الشّبكة العالميّة، بما فيها بداية المواقع الالكترونيّة، ومن ثمّ المنتديات الالكترونيّة، فوسائل التّواصل الاجتماعيّ، إلا أنّ البعض رأى نتيجة انتشار الكتاب الالكترونيّ أنّه سيضعف الكتاب الورقيّ؛ بل حتى الآن النّتيجة عكسيّة، فهذه الشّبكة ساعدت في التّرويج للكتاب، وبيعه أكترونيّا، وكوكبت ما يجري ويكتب في العالم، وكأنّ العالم يعيش في قرية واحدة، ومن جهة أخرى أيضا تحول ما يكتب في هذا الفضاء المفتوح إلى كتاب، كما فعل ابن قرناس [معاصر] حيث حول بعض كتاباته ومحاوراته الفيسبوكيّة إلى كتاب الشّرعة والمنهاج في مجلدين كبيرين.
وعلى العموم الكتاب الورقيّ ظلّ ثابتا وحاضرا إلى يومنا هذا، ومعارض الكتاب في العالم ساهمت بشكل كبير في حضور الكتاب، وقوّة انتشاره، وتأثيره التّنويريّ.
فهذه المعارض من إيجابياتها اختصرت الطرّيق أمام الباحث والكاتب في الحصول على الكتاب بشكل ميسر، ثمّ أنّه يضمن انتشار كتابه في مستوى جغرافيّ أوسع، ليزيد عدد القراء، مع اطلاعه لكلّ جديد يكتب في تخصصه.
كما أنّ معارض الكتاب لم تكن فقط معارض شرائيّة وترويجية فقط، بل كانت معارض أيضا ثقافيّة وتنويريّة، لالتقاء الكاتب والمثقف والباحث فيها، مع ما يصاحبها من جلسات ثقافيّة وحواريّة وفنيّة.
إلا أنّ السّلبيّات أيضا حاضرة ليس في ذات الفكرة، وإنّما في عوارض الفكرة، إذ أنّ المجتمعات المستبدة والمنغلقة تخشى من انتشار الفكرة، والانفتاح عليها، لهذا تحاول أن توسع من دائرة الرّقابة، تحت مسميات متعددة، سياسية كانت أم دينيّة أم مجتمعيّة، من هنا يضيق الفضاء شيئا فشيئا.
كذلك أيضا من السّلبيات أن يضيق فضاء الحوارات والفضاءات المصاحبة للمعرض، ليتحول إلى برامج ليست بذات العمق والحرية الّتي تساهم في نشر الوعي، وتعطي للمجال الثّقافي قوته.
وأيضا ضعف العمل الإبداعيّ المشارك، وضعف مشاركة مؤسسات المجتمع المدنيّ، مقارنة بالمؤسسات الرّسميّة، وضعف حضور العمل التّطوعيّ.
بجانب ضعف الدّعم، والاستغلال الماليّ من الجهة المنظمة، ومن دور النّشر، وهذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي صعوبة الحصول على الكتاب!!
وأيضا مصادرة بعض الكتب، وهذا بلا شك يؤدي إلى انتشارها وحضورها؛ لأنّ كلّ ممنوع مرغوب!!
ومن السّلبيات ما يعود إلى الشّاري؛ حيث لا يعرف التّعامل مع الكتاب، فتجده من البداية يشتري حتى يذهب جميع ما أعدّه من مال في فترة قصيرة، وهذا يحتاج له أن يحدد الهدف أو الأهداف قبل المعرض، فهناك من يشتري لأجل تنمية دراسته، وهناك من يخصص مجالا علميّا معينا، وهناك لأجل اقتناء الجديد، وهناك لأجل بحث أو دراسة، فهذا يحتاج له أن يحدد الهدف من البداية، ثمّ يحاول أن يمر على المعرض والاطلاع على الكتب، ثمّ تدوين ذلك مع الأسعار، ثمّ يضع حصرا حسب ماليته، ويقدّم الأهم فالأهم، إلا إذا خاف نفاذ نسخ الكتاب لقلّة عدده، وبهذا يكون قد حقق أكثر من أهداف من خلال المعرض!!
وعلى العموم الحضور الجماهيري إلى معارض الكتاب شيء يسر النّفس، ويبهج القلب، بغض النّظر عن الجوانب السّلبيّة، إلا أنّ الإيجابيات بلا شك أكبر، ومعرض الكتاب مرحلة مهمة في كلّ بلد، وحسن التّعامل معه، وفتح أكبر قدر من الحرية ودعمه؛ يساهم بلا شك في تطوره وتحقيق أهدافة.
وكما أنّه توجد معارض دوليّة، فجميل أيضا أن يكون هناك معارض على مستوى دول الخليج مثلا، يشارك فيها النّاشرون والمثقفون والكتاب الخليجيون، أو على مستوى بعض الدّول كعمان ومصر مثلا، ويصاحبها حضور ثقافي من الدّولتين، أو على المستوىالمحليّ، ولو على سنوات، وهذا يساهم في التّذكير بأهمية الكتاب الورقيّ، وبما يحمله من معارف وإبداع وثقافة متنوعة!!