الصحوة – ريم بنت مٌحسن البلوشي
منذ النشأة البشرية على مر العصور الزمنية و تكاثر المجتمعات الأنسانية كان للظروف الأجتماعية و المعيشية دورا هام في أن أحكمت على هؤلاء الجماعات بالعيش سويا و العمل للحصول على ما يسد حاجتهم و السعي لتحقيق مصالحهم المختلفة ، و هنا كان لابد من وجود ضابط يحكم سلوكيات المجتمع و ينظم علاقاتهم للحد من ارتكاب الجرائم و ضياع الحقوق و العبث بالنظام العام .
و سعى المشرع العماني لتنظيم مختلف مجالات الحياة عبر اصدار النظام الأساسي للدولة و اصدار القوانين الأخرى المنظمة و منها قانون الجزاء العماني .
ولقانون الجزاء العماني دور هام عبر الموازنة بين التجريم و العقاب من حيث مبدأ شرعية العقوبة حيث أن ” لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص” بالأضافة الى تحقيق الاهداف التي من أجلها تم تقرير العقاب عبر النصوص القانونية و هي إيلام و زجر المحكوم عليه ، و تحقيق الردع الخاص و العام الكافي لعدم معاودة إقتراف الجريمة .
إلا أن ليست كل جريمة على إطلاقها تكون مشمولة بالعقاب ، فالظروف المصاحبة للجريمة المرتكبة لها دور في التخفيف أو الاعفاء من العقاب متى ما صاحبتها ظروف تكون سبب لذلك ، و هو ما يطلق عليه الاعذار القانونية المخففة و الاعذار القانونية المعفية من العقاب .
الأعذار القانونية حسب ما عرفتها المحكمة العليا : ( هي الظروف التي ينص عليها المشرع و التي يكون من شأنها تخفيف العقوبة أو رفعها كليا) . و كما أورد قانون الجزاء العماني بالنص عليها في المادة (٧٦) من ذات القانون : (الأعذار إما أن تكون معفية من العقاب أو مخففة له، ولا عذر إلا في الأحوال التي يحددها القانون) . و يستفاد من ذلك أن جميع الأعذار الواردة سواء كانت معفية أو مخففة من العقاب عند ما ترد بالنص عليها بمواد القانون يكون على المحكمة متى ما أرتأت توافر الظروف القانونية المذكورة يستوجب عليها الحكم بالاعفاء من العقوبة يستفيد منه مباشرة المحكوم عليه في جميع العقوبات سواء كانت أصلية أو تبعية أو تكميلية ، أو في حال التخفيف من العقوبة يتم وفقا الألية معينة تطرقت بذكرها المادة (79) من ذات القانون : (تخفف العقوبة المقررة في حال توافر العذر المخفف على الوجه الآتي:
أ – إذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي الإعدام، تخفف إلى السجن المطلق، أو السجن الذي لا تقل مدته عن سنة واحدة.
ب – إذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي السجن المطلق، تخفف إلى السجن الذي لا تقل مدته عن (٦) ستة أشهر.
ج – إذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي السجن المؤقت، تخفف إلى السجن الذي لا تقل مدته عن (٣) ثلاثة أشهر.
د – إذا كانت العقوبة مقررة لجنحة فلا تتقيد المحكمة بحد أدنى)
و بالطبع يرمي المشرع العماني عبر سن المواد القانونية المقررة للعقاب تحقيق أهداف معينه و يترتب من خلالها الوصول لآثار محددة ، كما هو الحال بالنسبة الأعذار المعفية و المخففة من العقاب يصبو المشرع من خلالها تحقيق أهداف مجتمعية معينة يتولد من خلالها ظهور أثار تمتد لافراد المجتمع كافة ، نسرد البعض منها في سبيل الذكر :
-منع وقوع الجريمة أو اكتشافها بعد وقوعها : للحد من انتشار الجريمة دور مهم في الأستقرار المجتمعي و عند ما أعفى المشرع على سبيل المثال في جريمة الرشوة و هي من الجرائم المالية التي تستهدف المال العام للدولة عبر الأتيان بها بواسطة الراشي و القبول من قبل المرتشي و غالبا ما يكون موظف عام ، هذا حسب نص المادة (155) من قانون الجزاء العماني : (يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي، ومع ذلك يعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا بادر بإبلاغ السلطات المختصة بالجريمة أو اعترف بها قبل اكتشافها، ولو بعد تمامها، وإذا حصل الاعتراف بعد اكتشاف الجرم جاز اعتبار الاعتراف عذرا مخففا) ، و نوافق المشرع في ذلك عند ما أعطى للراشي فرصة في حال أراد التراجع عن الجريمة و عدم استكمالها عبر إبلاغ الجهات المختصة قبل وقوع الجريمة بالحكم عليه بالاعفاء عن العقوبة و نجد ذلك كنوع من التشجيع على الرجوع عن مقارفة الجرائم و منع إكتمال حدوث الجريمة و تحقيق نتائجها .
– مراعاة الظروف الخاصة بالمحكوم عليه : نجد أن في بعض الجرائم قد يتولد الباعث في الاقدام على إرتكاب الجريمة هي الفقر و الحاجة الملحة بالمتهم على سبيل المثال الاقدام على التسول في الطرقات و المساجد و المحلات العامة ذكر المشرع عبر المادة (297) من قانون الجزاء العماني بأعتبار ثبوت إقتران ظرف الحاجة كعذر معفي من العقوبة حيث نص على : (ويعفى من العقوبة من يثبت أنه كان مضطرا، أو عاجزا عن الكسب وليس له مصدر رزق آخر).
– عدم معاوده إقتراف الجريمة : من الأهداف التي يسعى إليها المشرع عبر الأعفاء أو التخفيف من العقاب هي عدم مقارفة الجريمة و الأعتياد عليها . فقد يندفع البعض و تسول له نفس لأرتكاب جريمة ما غير مدرك عواقبها الوخيمة حين الحكم يتم عليه بالعقاب و ضياع المستقبل و إنقطاع الرزق و قضاء طيلة حياته حبيس الزنزانة ، لكن عبر مواد قانون الجزاء المقررة الأعفاء أو التخفيف من العقوبة التي يستفاد منها المحكوم عليه يدرك من خلالها رأفة المشرع به و مدى وقع الجرم المرتكب ليكون بمنأى عن معاودة إرتكابه مرة أخرى .