الصحوة – شهد بنت عادل الخوالدية
تزييف الحقائق ليس بجديد في عالم الصحافة؛ فطرح معلومات مضللة وكاذبة -كان ومازال- واقعا تفرضه أجندات وتوجهات وسياسات الجهة المنتجة للمحتوى الإعلامي أو التسويقي من خبر أو صورة أو مواد مرئية وغيرها؛ ومع الطفرة المستمرة في تقنيات المعلومات ومنها تطبيقات وبرامج الذكاء الاصطناعي وتطبيقات التواصل الاجتماعي أصبح من الصعوبة فك شفرة المعلومات وتحليلها وكشف مصداقيتها وبالتالي زادت نسبة الأخبار المزيفة.
وفي هذا التحقيق؛ نطرح قضية التزييف الإعلامي باستخدام التقنيات الحديثة ودور الصحفي والإعلامي للحد من التزييف؛ ونستطلع من خلاله آراء عدد من الخبراء والباحثين الإعلاميين المشاركين في المؤتمر العلمي الدولي لقسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس والذي ركز في نسخته الرابعة على “الاتصال والإعلام والذكاء الاصطناعي”.
صديق وعدو
بدأنا حوارنا مع الأستاذ الدكتور الحسن محمد منصور، أستاذ الاعلام بجامعة الملك سعود والذي أوضح بأن موضوع التزييف العميق مرتبط بالذكاء الاصطناعي، الذي يعتبر اليوم سلاح ذو حدين، يعطي فرص وتحديات، ومن ضمن هذه التحديات يتيح إمكانية انشاء محتويات ومضامين مزيفة، وهو تحد للقائم بالاتصال ومشكلة للجمهور عند التعرض للتزييف العميق، لأن له نتائج منها انتشار الشائعات”.
تقنيات مساعدة
بدروه يرى الدكتور أحمد بن علي المشيخي أستاذ زائر في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة بأن إعلام اليوم يعتمد بشكل رئيسي على التكنولوجيا، ومزج بين كل التكنولوجيا الموجودة، وكل الوسائل الاتصالية التي نستخدمها اليوم. فنجد الصحافة مزجت ما بين الصورة والفيديو والصوت في مواقع الإنترنت، والمحطات الإذاعية مزجت ما بين الفيديو والكتابة في الإنترنت، والتلفزيون أيضا بنفس الطريقة، أي أن الانترنت استطاع أن يجمع كل وسائل الاتصال التي نستخدمها اليوم في وسيلة واحدة، فنجد الصوت والصورة والكلمة بنفس المكان؛ لهذا الأساس والانتشار الواسع للبرمجيات المساعدة للقائمين على الاتصال واستخدامه برز بشكل كبير جدا التزييف الإعلامي ، ومن الأمثلة القريبة التي يمكن مشاهدتها في هذا الجانب، ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الكثير من الصور التي نشاهدها في وسائل التواصل هو تزييف وتضليل إعلامي عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعكس صور غير موجودة في الواقع، ومن هنا هذه التقنية ساعدت في انتشار التزييف الإعلامي بشكل واسع جدا، والنقطة الأكثر أهمية نتيجة عدم المتابعة وعدم المهنية الأخلاقية في وسائل الاتصال وعدم وجود الضوابط ساعد أيضا في انتشار التزييف الإعلامي بشكل كبير جدا عكس المؤسسات الإعلامية التقليدية القائمة على ضوابط أخلاقيات الشرف الإعلامي فنجد نوع من المسؤولية الاجتماعية، أما في مجال الاستخدام التقني خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي لا حسيب ولا رقيب فينتشر التزييف”.
ثقة وسمعة
وحول الاستخدام السلبي لتقنيات الذكاء الاصطناعي في صنع المحتوى المزيف، ودور ذلك في فقدان ثقة الجمهور بالوسائل والمؤسسات الإعلامية؛ تتحدث الدكتورة نجات باحثة دائمة بمركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، دكتورة في علوم الإعلام والاتصال عن أهمية قيام الصحفي بدوره في التقليل من الاخبار المزيفة حيث قالت: ” أن الإعلام التقليدي سمعته موثوقة مع الجمهور خصوصا مع وجود فريق تحرير متمكن يعالج الموضوعات بطريقة موضوعية ولا يتجرأ على نشر كتابات مزيفة، والأمر نفسه ينطبق على الوسائط الرقمية المهنية يتوقف على مهارات الصحفي، اذا كان هذا الصحفي له ضمير مهني ويتحلى بالمسؤولية سيكتشف الصواب من الخطأ، وكذلك يكتشف الحقائق المفخخة بالأخبار الزائفة من الصحيحة بحكم أن لديه إمكانية عالية في المجال التقني، ويعرف كيف يستخدمها في المجال الإعلامي بما يستجيب لمؤسسته خوفا على سمعة المؤسسة التي يعمل بها و خوفا على سمعته هوه كمبدع في مجال الاتصال بالاستعانة بالأدوات التقنية والخيارات التي يمنحها الذكاء الاصطناعي واذا دأبت المؤسسات على نشر المحتوى المزيف سيفقد الجمهور الثقة، و الجمهور أنواع هناك جمهور عقلاني وجمهور مثقف سوف يتأكد من الامر وسيكتشف التزييف لكن اذا كان من عامة الشعب الذي يحب التأويل والتزييف سيجد موضوع الاشاعة فيها ضالته خاصة في الاخبار التي لا نجد لها تفسيرا أو مصادر أخرى غير المصدر الذي نطلع عليه”.
ويؤكد الدكتور عبدالله بن خميس الكندي رئيس قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس على أهمية الثقة الجماهيرية التي بدونها لا يكون للعمل الإعلامي قيمة، وفي غيابها تتأثر سمعة المؤسسة الإعلامية؛ ويرى الكندي بأن المحتوى المزيف قد يؤثر على ثقة الجمهور، وهذا الأمر كارثة كبيرة لأننا في الإعلام نوجه الرسائل للطرف الآخر وهم الجمهور، نحن في الإعلام نريد التأثير فيه وتعليمه وتوعيته ونمارس العديد من الوظائف الأخرى، لكن اذا بدأ الجمهور في فقد الثقة في الإعلام نتيجة الكشف عن الكذب والتزييف اثر صنع محتويات بتقنيات حديثة قد تعطي معلومات الكثير منها غير صحيحة او دقيقة ، ولو اعتاد الجمهور مرة تلو الأخرى ينصدم في الأعلام سيفقد ثقته تماما، ومن هنا أرى أن الخطر الأساسي في الإعلام هو خطر فقد الجمهور وهذا يؤدي الى فقدان المهنة وقواعدها وأصولها وأيضا الى فقدان الإعلاميين انفسهم، من هنا في ظل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي يأتي دور الصحفي في العمل على التحقق والكشف والتأكد اذا كانت المعلومات صحيحة ومن مصادرها الأساسية، لأن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ليست دقيقة دائما في الطرح وليس بها لمسة إنسانية، ونحن دائما نود أن تكون هناك لمسة إنسانية في ظل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي”.
ويرى الدكتور أحمد المشيخي عن اثر انتشار التزييف وتأثيره وكيف يبرز دور الصحفي كممارس للمهنة في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي حيث يقول :” الانتشار عامل مهم ، والصحفي يهمه صورة العمل الذي ينشره لتصل لأكبر عدد ممكن من الناس، وكلما تم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في النشر دون التأكد من المعلومات اذا كانت مزيفة أو مضللة قد لا يجد الصحفي من يتابعه لاحقا وهذا سيؤثر أولا على الصحفي نفسه ومتابعة الجمهور لهذا الصحفي والتأثير أيضا سيتم على المؤسسة الإعلامية نفسها، ومن هنا يكون التأكد من المعلومات التي نحصل عليها من الذكاء الاصطناعي أمر مهم لأجل ضمان المصداقية وثقة الجمهور”.
نزاهة رقمية
ولممارسة المهنة الإعلامية بنزاهة هناك ضوابط ومواثيق يجب الالتزام بها لضمان أداء الرسالة الإعلامية وكسب الثقة الجماهيرية، بناء على ذلك أوجد الباحثون والأكاديميون حلولا ومقترحات للنزاهة الإعلامية في ظل التسارع الرقمي والذكاء الاصطناعي في العالم؛ ويرى وزير الاعلام السابق الدكتور عبد المنعم بن منصور الحسني بأن الصحفي معني بتحقيق النزاهة الإعلامية، مؤكدا بأن الحد من التزييف، يجب على الإعلامي أن يثقف نفسه وهذا في المقام الأول أي يدرب نفسه على كشف التضليل، كذلك المؤسسة التي ينتمي اليها الإعلامي يجب عليها أن تساعده بتقديم حلقات عمل متخصصة في مهارات الكشف عن التزييف والتضليل”. وأكد الدكتور أحمد المشيخي على اهمية التعليم والتربية من خلال تربية العاملين في المجال الإعلام على كيفية التعامل مع المعلومات التي سيحصل عليها، وأيضا تعليمهم كيفية النقد البناء والتفكير الناقد للمعلومات التي سيحصل عليها وتحليلها حتى يضمن إذا كانت هذه المعلومات مزيفة أو حقيقية، ويجب التأكد من كل معلومة، وكل اسم، وكل رقم يضعه أمام الجمهور، كذلك استخدام البرمجيات الموثوق بها مثل استخدام التقنيات التي تكشف للصحفي إذا كانت الصور حقيقية أو مزيفة وما الى ذلك”.
وفي جانب القوانين التنظيمية أوضحت الدكتورة نجات:” إذا كنت نتحلى بالنزاهة التي تعد من أهم المعايير الصناعة الإعلامية بشكل عام هيه أول معيار الى جانب الموضوعية، وإذا تم التقيد بهذا الشرط أعتقد انه لا مجال هنا للتزييف الإعلامي وسنقضي عليه حتما، وفي المقابل يجب فرض قوانين صارمة في هذا المجال في حال انشار هذا النوع من التزييف خصوصا إذا تم نشر محتوى يشكك في الثقة بين مؤسسة معينة مع الجمهور، ونشر الأخبار التي من شأنها التهويل”.