الصحوة – نصر بن منصور الحضرمي
في قلب الجزيرة العربية، تقف عُمان شامخة كشجرة وارفة الظلال، جذورها ضاربة في عمق التاريخ، وأغصانها ممتدة نحو السماء، تحمل رسالة حضارية وإنسانية لا تحتاج إلى مَن يمدحها أو يشيد بها. فهي ليست بحاجة إلى كلمات تزينها، ولا يضرها ذم المغرضين الذين غسلت الأهواء عقولهم، فتعلّموا الهجاء قبل أن يتعلموا الحروف. عُمان، التي حملت راية الإسلام منذ أكثر من 1400 عام، تكفيها شهادة خير البشر، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حين قال للرجل الذي بعثه الى قوم فسبوه وضربوه: “لو أهل عُمان أتيت ما سبوك، ولا ضربوك”. هذه الكلمات ليست مجرد مديح، بل هي شهادة تاريخية على طبيعة شعب عُمان، الذي تميز بالكرم والسلام والأخلاق الرفيعة.
عُمان لم تكن مجرد نقطة على خريطة التاريخ، بل كانت جزءاً من الرسالة المحمدية التي توّجت بها الأمم. فحين أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رسالته إلى ملكي عُمان، جيفر وعبد ابني الجلندى، كان ذلك اعترافاً بدورها السياسي والحضاري المستقل. لم تكن عُمان أقل شأناً من قياصرة الروم أو ملوك الفرس أو الحبشة، بل كانت نداً لهم، وحملت رسالة الإسلام بكل فخر واعتزاز وبطواعية ودون ان تؤذي رسول الله بمشقة خوض حرب مع ملوكها. وكافأهم الرسول ببقاء سيادتهم فأصبحوا أكثر قوة ووحدة بالإسلام.
عبر القرون، ظلت عُمان حصناً منيعاً ضد كل محاولات التشويه والطمع. لم تستطع قوى الغرب أو الشرق أن تطال شموخها، لأنها بنيت على أسس متينة من الإيمان والعزيمة والأخلاق. أبناؤها سطّروا تاريخاً مجيداً، لم يكن مجرد سرد لأحداث، بل كان درساً في كيفية بناء حضارة تقوم على التسامح والعدل والكرامة. هذه الأخلاق التي أشاد بها سيد المرسلين، جعلت من عُمان نموذجاً فريداً في التاريخ الإنساني.
ولكن، في كل زمان، هناك من يختار أن يعيش في الظلام، من لم يقرأ التاريخ، ولم يفهم رسالة الدين، فتعلّموا الهجاء قبل أن يتعلموا الحروف. هؤلاء الذين تاهوا في غربتهم، كتيه بني إسرائيل في الصحراء، خسروا وطنهم وأخلاقهم ودينهم، فأصبحوا يرمون عُمان بكلمات السب والشتم. لكن هذه الكلمات لا تؤثر في عُمان، لأنها بريئة منهم، كبراءة الذئب من دم يوسف. عُمان لا تحتاج إلى من يدافع عنها، لأن تاريخها وأخلاق أبنائها هما خير دفاع.
عُمان ليست مجرد أرض، بل هي فكرة، هي رسالة، هي حضارة. هي تلك البقعة التي تذكرنا بأن القيم الإنسانية العليا يمكن أن تنتصر على كل محاولات التشويه والطمع. هي تلك الأرض التي علمتنا أن الشموخ ليس في البنيان، بل في الأخلاق والإيمان. فلتظل عُمان، كما كانت دائماً، شامخة براية بيضاء، لا يطالها دنس الحاقدين، ولا يغيرها زمن.