الصحوة – زكريا بن ناصر الشريقي
- التفاخر محض حماقة وجهل، التواضع هو الأساس.
- الشِعر هو الينبوع المتدفق في روحي، فحياتي كلها شِعر في النصوص والحياة.
- تفنـــى الأشكال والإنســــان الشاعر ويبقى الشعر الحقيقي متوقدا في روح الأبدية.
منذ لقائي الأول به في معرض مسقط الدولـــي للكتاب بدورته الخامسة عشرين، كنت أستنبط من روحه فيوضا تغص بعوالم الشعر، ومع كل حديث غامر تخوضه معه تتماهى في صدر المكان عذوبة كلماته الشاعرية التي هي بمثابة تذكرة عبور مدفوعة الثمن سلفا إلى قلبك. وفي لقاء آخر متجدد في أحد أركان مسقط العامرة، تجدد لقائي به لأخوض معه تجوالا أسبر فيه عالم الشعر بكل تجلياته ومضامينه.
بداية، من يكــــون سالم؟
إنسان عاشق للحياة هائمٌ بالشِعر.
كيف دخلت إلى عالم الشعر؟
لا أدري تماما، ولكن أظن الموهبة هي التي حلقت بي إلى سماوات الشِعر.
ماذا يعني الشعر بالنسبة لك؟
طاقة روحية مفعمة بالمرايا وفائضة بالنور.
هل الشعر موهبة؟
نعم.. لا شِعر حقيقي من دون موهبة؛ قد تكون خسارة الشاعر العظيمة في فقدان جمرة الموهبة، لذلك أشعر بقلق عارم عندما أقرأ بعض التجارب التي أراها من وجهة نظري غير موهوبة لفتق النص وأخذه إلى كواكبٍ بعيدة.
في أيٍ من قوالب الشعر أبدعت؟
كتبت في كل القوالبِ الشِعرية ولكن أجد نفسي عاشقا للشِعر الحر.
أما الحكم فهو ليس ملكا لي، تركته يذوبُ في قلبِ الناقد والمتذوق بهدوء، وأنا أقبل أي حكم مهما كان قاسيا ويا حبذا أن يكون هذه الحكم نازحا من خلفية شِعرية مؤهلة للذوبانِ في لهيبِ النصِ.
هل تذكر أول قصيدة كتبتها؟
لا.. ولكن أذكر مناسبتها.. كانت محاولة في رثاء جدي رحمه الله الذي مات قبل مولدي بأعوام، وذلك تأثرا بما أسمعه عن جدي من مكانة اجتماعية مرموقة بالإضافة إلى إقدامه وشجاعته المعروفة، وأول مرة سمعت عنه كانت من جدتي أطال الله في عمرها؛ أعشق جدي كثيرا وأعتز به وقد كتبت له إهداء في أول مجموعة شِعرية لي ستكون في النور قريبا.
نرى اليوم في عصرنا هذا، بل وحتى العصور المنصرمة أن كثيرًا من الناس يتهافتون لكتابة الشعر، برأيك من هو الشاعر؟
ربما هذا التهافت ينوءُ عن ظاهرةٍ صحية، والعبرة دائما من يستطيع أن يكتبَ شِعرا حقيقيا يخلده الزمن؛ لا يوجد هناك تعريف محدد للشاعر ولكن قد نقول تجوزا ذلك المسافرُ في الضوءِ والذي يستطيع أن يتسلقَ تلك الأشجار الباسقة الفائضة بالفن .
ما هي المقوّمات التي تجعل القصيدة تصل إلى لبّ القارئ؟
القُّراء ليسوا كلهم على شاكلة واحدة، كل له ذائقته، وعلى الشاعر أن يكتبَ نصه بعيدا عن طلب الجمهور؛ أما المقومات فهي كثيرة منها الدفق الشاعري العذب وبعدها تنبلج فنيات النص الشِعري من مجاز وصور مبتكرة وخيال واسع ودهشة وغيرها..
ما هـي القصيدة الأقرب مكانة ومنزلة لقلبك؟
قصيدة “على حافة المقهى”؛ على بساطتها فهي قريبة جدا من قلبي.
على حافةِ المقهى،
ثمة ذكرياتٌ تندلقُ،
موسيقى تنزفُ دما،
ودفتر عشقٍ يتوارى
خلف أغنية،
تفوحُ في الأفقِ،
لا وجع ولا أرق،
ولا دمعةً تنساب،
على خجلٍ،
جرحٌ يومضُ
وقلبٌ يصطادُ
الليل والظلام والنجوم؛
على حافةِ المقهى،
صوت أمي يتدفق،
بعذوبةٍ،
كنهرٍ يفيضُ على الماءِ
بمرونةٍ وسلاسة؛
أمي موسيقى هادئة،
تهدهدُ قلقي،
على أرجوحةِ الحنانِ.
أحدث” الشعر الحر” جدالًا كبيرًا في ساحة الشعر والأدب والثقافة، فما هي أسباب هذه الجدل المشاغب من وجهة نظرك؟
في كل مستجد تكون هناك عاصفة وهذا طبيعي جدا؛ وهناك طبعا أسباب كثيرة للجدل ومنها:
التعصب للقديم واعتباره الحقيقة المطلقة.
عدم الاستعداد الفطري لقراءة الجديد.. فلا إنصاف من دون استعداد!
عدم قراءة هذا الفن الجديد في الشِعر سواء كانت هذه القراءة في الكتب التي كتبت عنه وكذلك عدم قراءة النصوص التي تتمرد على الشكل التراثي .
الكثير من هؤلاء أيضا يعتقدون بأن الشِعر في الوزن والقافية؛ وكما تعلم بأن الشِعر شيء والوزن شيء آخر، الوزن هو أداة مكملة للشعر العمودي، وهناك شِعر “في الوزن” وشعر “خارج الوزن”.. والأهم هو الشِعر لا غير سواء كان عموديا أم حرا .
بالتأكيد أن كلّ إنسان يحمل همومه ومعاناته، فما هـو دور الشعر في التخفيف من معاناة الشاعر؟
ثمة تفاعل بين معاناةِ الشاعر ونصه، ربما قد نطلق على هذا التفاعل تفاعل كيمياء الروح، مما يجعل هذه المعاناة تتسربل في النصِ؛ فلا أخالك تصدق إن قلت لك عندما أكتب نصًا كأني روحي تخرج متجولة في الأعالي في تلك البقاع البعيدة، مندمجة منصهرة ذائبة في ذرات الكون؛ لذلك بعد كتابة النص أستغرب من العرق يتقاطر من وجهي!
نشرت لك صحف عربية ومحلية نصوصك الشِعرية، ما الذي يمثل لك هذا؟
الوصول إلى القارئ؛ وهذه سمة عندما أحصل عليها كأني حصلت على لؤلؤة ثمينة.
لكل منا نظرة مختلفة عن الحياة، كيف تكون الحياة من منظور الشاعر؟
ربما تكون نظرة الشاعر إلى الحياة نظرة ثاقبة تحمل في طياتها التأمل والتفكر والنظر إليه برهافة مفرطة.
ما هـي أسباب تأخرك عن إصدار ديوانك الأول حتى هذا الوقت، على الرغم من إنتاجك الغزير في كتابة القصائد؟
المجموعة الشِعرية ستكون خالدة حتى بعد رحيلك، لذلك من الحكمة أن لا يستعجل الشاعر في إصدار مجموعته، المسؤولية ليست سهلة كما يظنها البعض، هي مسؤولية كبيرة لا بدّ أن يحملها الشاعر على كتفه.
كثير من الأدباء والشعراء يتفاخرون بأعمالهم الكتابية، برأيك هل في ذلك دلالة على نجاحهم؟
التفاخر محض حماقة وجهل، التواضع هو الأساس؛ أما النجاح أو عدمه يرجع إلى محتوى أعمالهم.
برأيك ما هو دور المؤسسات الثقافية في صقل شخصية كل من الكاتب والشاعر والمثقف بشكلٍ عام؟
لا بدّ أن تحتضن المؤسسات الثقافية المثقف والشاعر وتدعمه ماليا ومعنويا ومن الطبيعي بعد ذلك أن تصقل موهبته ويترقى في سلالم النجاح.
ما هـو تقييمك لحركة الشعر في سلطنة عُمان؟
الساحة العمانية الشِعرية نشطة وفي ديمومة دائبة، التدافع ما زال متوهجا، كما أن الساحة ثرَّة بالأشكال الشِعرية الجديدة التي تشق طريقها إلى العالمية.
أتمنى من الساحة الشِعرية العمانية أن تكون في توهج مستمر، وكما أطمح أن يستمر هذا التنوع على المستوى الفني والشكلي وتبقى جميع هذه القوالب عمودية أو حرة في تدافع يساير السماوات الزرقاء ولا يخفت يوما ما؛ وفي نهاية المطاف تفنى الأشكال والإنسان الشاعر ويبقى الشِعر الحقيقي متوقدا في روح الأبدية.
ما الذي يستحوذ على اهتمامك بعد الشعر؟
الشِعر هو الينبوع المتدفق في روحي، فحياتي كلها شِعر في النصوص والحياة.
الثقافة في كل سماواتها أهرول إليها جاهدا، أقرأ كل شيء، حتى تلك البقع التي على سطح القمر!
والآن دعنا نعرّج إلى محطة أخرى مهمة أيضًا، هل وسائل التواصل الاجتماعي أثرت على المثقف بشكل عام؟
وسائل التواصل الاجتماعي لها دور كبير في التعرف على العالم الخارجي، أصبحنا اليوم نقطن في كوكب واحد، نقرأ اليوم في الساعة الواحدة لمئات الشعراء والكتاب والمثقفين؛ وسائل التواصل لها دور الريادة والانفتاح على الآخر.
ما هي نصيحتك لأي كاتب أو صاحب موهبة؟
القراءة بكافة علومها وفنونها، هي التي تجعل من الشاعر يكتب نصا مختلفا ويشكل نفسًا خاصا به لا يشبه إلا ذاته الشاعرة.
كلمة أخيرة تختم بها!؟
أنت صحفي واعد وطموح، أراك في كل خطوة تدحرج النيازك وتدفع الكواكب بأصابعك النشطة؛ كل التوفيق لك يا صديقي العزيز.