الصحوة – مصعب بن خميس الشكيلي
كتبت في الأسبوع الماضي قراءةً متواضعة، في مقال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، الذي يحمل عنوان “الحب والزواج” وهو إجابةً على سؤالٍ طرحه الشيخ “هل يُبنى الزواج على الحب فقط؟” وأراد – قاصداً – الإجابة عليه، ليوجهنا إلى مفهوم يراه بعين الدين والخبرة .
واليوم سنُجيب على سؤال آخر، “ما السن المناسبة لزواج الرجل؟”.
ولنسير على نفس الطريق التي أجبنا من خلالها على السؤال الأول، نُذكرُ بأن الله خلق في الإنسان غريزتين: غريزة بقاء الذات التي تُحفظ بالأكل، وغريزة حفظ النوع التي تُحفظ بالنسل. فبالتالي فإن ما يصح مع الأولى يصح مع الأخرى.
ابتدأ الشيخ في معالجة هذه القضية من حيث انتهى من علاج القضية الأولى، بتمثيل وتشبيه الجائع الجنسي بالجائع بالطعام. فيُجيب متسائلًا : متى يأكل الإنسان؟ والإجابة البديهية هي “يأكل الإنسان عندما يجوع”. كذلك فإنه يتزوج عندما يبلغ مبلغ الرجال،وتسري في جسمه الرغبة في النساء، والقدرة على نحمّل المسؤولية. هذه الإجابة تفتح سيلًا جارفًا من الأسئلة مبنية عليها، فماذا لو لم تتوفر له أسباب الزواج؟ ثم لو وجد السبيل ميسّراً لقضاء وطره بطريق غير الطريق الشرعي؟ وغير ذلك من أسئلة العصف الذهني اللازمة، لبيان القضية.
تتحرك رغبة الرجل في النساء عند البلوغ، وهي السن التي يكون بها في المدرسة، حيث لا مصدر دخل له سوى والديه، وقد يستمر في الدراسة إلى سن الخامسة والعشرين. فنقول : إنْ لم يجد إلى الزواج سبيلاً ، يصبر كما يصبر الجائع عن الطعام إلى حين توفره بالحلال، وهي الإجابة الروتينية المكرورة، دون التطرق إلى الحلول . أما مخافة الوقوع في الحرام، فهذا يقاسمه المجتمع فيه بالنصف إن لم يوفر له السبيل لذلك. الجائع إن سرق فهذا حقٌ له في الطعام منعه المجتمع منه، وفي المقابل هو قد أصاب محرمًا باعتدائه على مال غيره.
إن الظروف التي اصطلح الناس عليها، من تزويج الرجل حين حصوله على وظيفة، وامتلاكه سيارة، وبيتًا، وهذا قد لا يتم قبل سن الثلاثين، تُشعل نارًا متقدةً يزيد لهبها سعيرًا سنة بعد سنة. وأنت تطلب من الرجل احتمال هذا السعير في داخله مدة تقارب خمس عشرة سنة. فغريزة الرجل تستيقظ في سن الخامسة عشر، وزواجه يكون في الثلاثين. فهذه النار إما أن تُحرق صاحبها بألم مكابدتها، أو أن تحرق بيوت الناس بارتكاب الفاحشة. وكلا العاقبتين مذمومتان عُرفاً ودينًا.
الجميع يعلم هذا الحال مع الشباب ويتغافلون عنها. يعلمون أن نار الشهوة لا تميز بين عدو وصديق، ومع هذا فإن فئات ضالة مضلّة في المجتمع آلت على نفسها إلا العمل على هدم بنيان الرجل من خلال توفير كل ما من شأنه إيقاع الشباب في الرذيلة، ناهيك عن اعتقادات اجتماعية خاطئة معلومة للجميع تجعل من الزواج أمراً عسيراً، ممّا يجعل هذا الشاب فريسة سهلة لتلك المغريات التي تتناهشه من كل حدب وصوب، كالتبرج والأفلام والتعري وغيرها.
لا يمكن وسط هذا المناخ العفن، أن يعوّل المجتمع على صبر الشاب، ورزانة عقله، ووازعه الديني. فأنّى لهذه الثمار أن تؤتي أكلها، إن لم تكن قد بُذرت منذ الصغر، وسُقيت بمد العمر، تعليماً وثقافة وقدوة، مع الإنابة بالدعاء إلى الله طلبًا للسلامة والعافية.
ولكن للأسف الشديد، لا تجد من يحرك ساكنًا لعلاج هذه المشكلة، علاجاً نافذاً وجذرياَ وملزماً.
ويُقسم الشيخ بأن هذا الشاب الذي يكابد هذا السعير في جوفه خمس عشرة سنة، ليس بأقل في المعاناة من المحكوم عليه بالسجن بنفس المدة.
تتساءلون ما العمل؟ العمل في العودة إلى الطبيعة، وإجابة نداء الفطرة، فإنه لا شيء أعسر من محاربتها. فيتزوج الشاب في الثامنة عشرة، والبنت في السادسة عشرة،والتسهيل في أمور الزواج كتخفيف المهور وتقليل الأعباء، فإن ذلك ممّا يسهل بل ويقضي على المشكلة، وإن لم يتحقق ذلك، وجب أن يُربى الأولاد على خوف الله، ومتانة الأخلاق، وأن تمنع المحرمات والمغريات التي تُذكر الشباب بشهوته، وأن يحمي الآباء بناتهم كما يحمون أموالهم من أن تصل إليها يد اللصوص.
ويختم الشيخ بهذا الكلام الطريف قائلًا: “هذا هو الجواب، وأنا واثق أن كل من يقرؤه سيقول إنه صحيح، ولكن لن يعمل به أحد، مع الأسف !”.
والسلام عليكم.