الصحوة – خالصة العوفية
عام ونصف عصيب ، عصف بالعالم بأسره، جردالأنظمة الصحية والتعليمية والاقتصادية من بريقها المغلف وأظهرجوهر التخطيط الذي ترتكز عليه تلك الأنظمة في رؤيتها وقيمها وأهدافها الاستراتيجية على المدى البعيد، ولأن التغيير غاية مطلوبة يتم فيها المراجعة والتحديث الذي يتطلب مع مرور الزمن أو مع المتغيرات العصرية أو المعرفية ، إلا أن المرتكزات هي اللبنة الأساسية التي لا يمكن المساس بها عند التخطيط، ذلك أن القدرة على مواجهة التحديات ضمن نطاق تلك الرؤية المخطط لها ، لابد ان تمتلك أدوات التعاطي والمرونة على التغير والتكيف مع كل ما يحدث .. أوليست الاستراتيجيات من ابجدياتها قدرتها على قراءة واستشراف المستقبل ومايمكن ان يحدثه من تحولات ، وبالتالي امتلاكها لعوامل التعايش والتكيف مع متغيراته ؟
إن رؤية عمان 2040 والتي تنبثق منها الاستراتيجيات الوطنية في جميع المجالات جاءت صياغتها وبلورتها في ضوء توافق مجتمعي وبمشاركة فئات المجتمع المختلفة، بحيث تكون مستوعبة للواقع الاقتصادي والاجتماعي ومستشرفة للمستقبل بموضوعية، حيث إنها ستكون بوابة لمواجهة التحديات وتعزيز التنافسية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي، فهي جاءت مستندة على عوامل متعددة كالموقع الجيوسياسي والحكمة في التعامل مع التحولات السياسية والثقافة المجتمعية والموروث الحضاري وغيرها، بالإضافة إلى جاهزية الانسان العماني للتحول المنشود.
الترويج السياحي مفهوم شامل لا يقتصر فقط على عرض البرامج والمواقع والإرث الحضاري والثقافي، فهو عملية إحداث المعرفة والتفاعل الإيجابي بين السائح وبين المعلومات التي حصل عليها عن طريق الجهود الترويجية وتشجيعه وتحفيزه على القيام بسلوك إيجابي يفي بمتطلباته ورغباته، فمع توفر النوعية السياحية بوجود المقومات، والمعرفة السياحية بالعرض الإعلامي، يبقى تحفيز الطلب على المضمون السياحي وتحقيق الاقتناع لدى السائح، فوجه الجذب والاستثمار يؤثر في آراء واتّجاهات ومواقف الجمهور، لذا فمن المتوقع أن تكون الأهداف للأستراتيجية الوطنية للسياحة ستحقق ذلك الاقتناع المنشود.
الاستراتيجية الوطنية للسياحة 2040 صدرت وقد جاء فيها حزمة من الإجراءات لتسريع خطوات التنمية السياحية وتحقيق التنويع الاقتصادي، ورفع المساهمة المباشرة وغير المباشرة للقطاع السياحي في الناتج المحلي، وتوفير فرص العمل، وتعزيز الإيرادات الحكومية، ومع الهيكلة الجديدة في الجهاز الإداري وإعطاء المحافظات استقلالاً في التنمية تتقاطع مع خارطة الطريق لتنفيذ الاستراتيجية التي يجب أن تتوافق مع رؤية عمان2040، وبلا شك أن الجائحة هي إحدى التحديات المحتملة التي من الواجب أن تكون تلك الاستراتيجية قد وضعت بعين الاعتبار حدوثها او سواها ، إلا أن الواقع لا يزال يفرض نفسه من تجارب سابقة حول مدى تطبيق مفهوم التخطيط وآلية التنفيذ، حيث لا زلنا وإن خططنا فآلية التنفيذ لا تتوافق مع ما خطط له، كما أن الاستراتيجيات التي تبنى على المدى البعيد بدون خطط سنوية أو خمسية واضحة، سوف لا تحقق الأهداف الاستراتيجية المرجوة.
نيابة الأشخرة شأنها شأن الكثير من المواقع السياحية بالسلطنة والتي لم تر النور بما خطط له في الاستراتيجية الوطنية للسياحة، ولا زلنا نسمع ونقرأ عن المشاريع الاستثمارية السياحية ولكن العين لا ترى ذلك على أرض الواقع، فموقع سياحي كهذا قد تصرف عليه الأموال في البنية التحتية من شوارع وتشجير ومنتزهات وأماكن ترفيهية، بالإضافة للمنتجعات والمقاهي والمطاعم وغيرها، ولكن مقدار الاستثمار فيه سيكون مشجعاً للتنمية في الاقتصاد من حيث الدخل الوطني، توفير الوظائف، موقع كوجهة سياحية عالمية، واجهة ثقافية وتنوع جغرافي، سياحة داخلية وغيرها، ولنا الكثير من الأمثلة التي تتشابه تقريباً مع الأشخرة استثمر من طقسها وشواطئها كوجهة سياحية عالمية كـ (شرم الشيخ) في مصر.
كانت لي تجربة لزيارة نيابة الأشخرة عبر الطريق الساحلي من ولاية قريات وكم كانت مشاهد رائعة لم أكن أتصورها، الجبال الراسية، البحر الصافي، الأودية لفسيحة والضيقة، المزارع الخلابة والرمال النقية على ضفاف الطريق، تذكرك بعظمة الخالق .
كلما مررت على موقع أو منطقة أجد فيها ضالة كل باحث عن الهدوء والسكينة، الراحة والاستجمام، النقاء والصفاء الذهني، ورغم أن المسافة طويلة نسبياً حيث تتعدى 300كم إلا أنني لم أكن مشغولة بالوصول لوجهتي النهائية بقدر استمتاعي بما اشاهد، تراءت لي معالم نيابة الأشخرة بشاطئها الخلاب ونسيم هوائها المعتدل اللطيف ورمالها الذهبية الناعمة ومياه بحرها الصافية، إحساس جميل إنتابني وأنا أجوب المنطقة السكنية، فبساطة القاطنين وطبيعة المنطقة تفرض نوع المهنة والحرفة والتي تضفي إرثاً ثقافياً متنوعاً في السلطنة، الهدوء والسكنية تنسي مشاغل الحياة والتزاماتها، الشواطئ الممتدة تعطي أفقاً موازياً لأفق البحر، ولا عجب أن النشاط هو السمة السائدة في هذا المكان، فمنظر شروق الشمس يلهم القاطنين بالهمة والحيوية، كذلك منظر غروب الشمس يضفي السكينة والخيال الواسع، فيطلق لمخيلة الانسان العنان نحو كسر الأطر الفكرية وسبر أغوار الطبيعة.
بينما كنت غارقة في تأملي تبادر الى ذهني كيف يمكن لهذا المكان أن ينعش الاقتصاد الوطني في ظل الجائحة وكيف يمكن ان يكون متنفساً للمواطنين والمقيمين ..