الصحوة – محمد بن سعيد القري
حدثني أحد الذين يعملون في أحد مراكز الاختبارات الدولية لعدد من التخصصات من بينها التخصصات الصحية، وهو يشير إلى أمر مهم، أن المتقدمين للاختبارات في سنوات تخرجهم الأولى يحصلون على درجات أعلا، وكلما زادت عدد سنوات مكوثهم في البيت بدون عمل، تقل درجاتهم سنة بعد سنة، وهذا مؤشر قد يدفعنا للنظر إلى الأسباب وراء تدني مستواهم. لا نقول لأنهم لم يطالعوا آخر المستجدات أو بسبب إهمالهم أو أي شيء من الممكن أن يدفع أصحاب الفلسفات الكونية أن يقولوه وهم الذين لم يجربوا ولم يمروا بالمرحلة الصعبة التي يمر بها خريجو هذا الوقت! ولكن ذلك قد يكون نتيجة لما يمر به الخريج من ضغوطات مادية واجتماعية في كل يوم يضيع من عمره، ويضطر لاستجداء الآخرين لسد بعض احتياجاته المعيشة. بل إن تراكم كل ذلك ربما يؤدي به إلى تأثيرات نفسية مدعومة بضبابية المستقبل مما قد يؤثر على طريقة تفكيره وشغفه في ظل عدم وجود الدافع.
جميل أن نرى تجاوب الحكومة الرشيدة لطلبات الشباب، وأن يتاح لهم فرص العمل في مختلف الميادين، وجميل أن تتنافس المؤسسات الخاصة في توفير الفرص المتنوعة لاحتواء تلك الكوادر والطاقات التي يحتاجها البلد للاستفادة من مهاراتهم وقدراتهم فيما لو استغلت الاستغلال الأمثل.
ورعاية خريجو الجامعات والكليات الذين قضوا سنوات اجتهدوا فيها، وسنوات ضاعت دون الحصول على وظيفة لا في القطاع العام ولا الخاص، هو مطلب ضروري ومهم. تخيل، أن تمضي أربع أو خمس أو ست سنوات أو حتى ثمان سنوات تدرس فيها تخصصا معينا، وبعد التخرج قد تربو على عشر سنوات وأنت في عداد الباحثين عن عمل، كيف ستكون نفسية هذا الشخص، وإلى أي مدى سيستمر ذلك الشغف في تطوير نفسه وهو يرى سنوات من عمره تمضي تباعا، وكأنه لم يفعل شيئا، سوى الحصول على شهادة يضعها على حائط غرفته أو يحتفظ بها في دولابه؟ وبأي وجه ينظر إلى المجتمع الذي قد يزيد الطين بلة فيتهمه بالتقاعس “وعطال بطال” “لا شغلة ولا مشغلة” ويطلب من أبيه وأمه!
وصل الأمر إلى أن بعض من أنهوا الدبلوم العام قرروا عدم الالتحاق بأية كلية، ولسان حالهم يقول، كثيرون تخرجوا ومكثوا في بيوتهم. بل إن الكثير منا يعرف من التحق بكلية وعندما حصل على فرصة للعمل في إحدى المؤسسات العسكرية، انسحب من دراسته واتجه لنداء عصفور في اليد أفضل من واحد على الشجرة!
وسيأتي أحدهم ليقول أن الخريج إن لم يكن قادرا الحصول على وظيفة فهذه مشكلته؛ لانه لم يستطع اجتياز الاختبارات والمقابلات الشخصية، ولكن لنسأل أنفسنا، كم هي فرص العمل التي أتيحت لهؤلاء فعلا خلال تلك الفترة؟ وكم هي عدد الوظائف (سواء في القطاع العام أو الخاص) التي أعلن عنها سنويا مقارنة بالأعداد الكبيرة جدا من الخريجين سنويا؟ وهل تغطي تلك الوظائف مختلف التخصصات. ويحدث أن هنالك أعداد كبيرة تتخرج سنويا في تخصص معين، ولكن سوق العمل لا يستطيع استيعاب ذلك التخصص؟
صحيح أن التوفيق بيد الله، وأن رزق الشخص بالسعي، ولكن الأمر يتطلب أيضا السعي من أجل هؤلاء من خلال تفعيل سياسة توظيف وتعمين “مستدامة” ، تحقق حاجة كل الفئات و تلبي مختلف احتياجاتهم وتطور من إمكانياتهم ومهاراتهم؛ خدمة لهذا الوطن الذي يفخر ويفاخر بشبابه وبهمتهم.
وسيأتي آخر ليقول بأن عليهم أن يؤسسوا مشروعات وأعمال حرة وأن يبدؤا من الصفر وأن يكونوا رواد أعمال في مجال ما، وأن لا يعتمدوا على الحكومة والشركات الخاصة لأنها لا تستطيع تلبية كل طلبات الباحثين، وهو موضوع آخر فيه ما فيه من وقائع وحقائق وإحصائيات وقوة وتحديات وتوفيق، وحاجة السوق الفعلية للمشروعات الصغيرة ومدى نجاحها، وعدد المستفيدين المحتملين وغيرها.
ولكن الذي يعنينا الآن هو الأخذ بجميع الأسباب التي تشجع الشباب على الدراسة التخصصية، وأن جهودهم ومثابرتهم لن تذهب سدى أو أدراج الرياح كما يقولون.