الصحوة – د. حمد بن ناصر السناوي
يخبرني زميلي استشاري طب نفسي الأطفال والمراهقين في أحدى الدول المجاورة أن العديد من الأطفال في عيادته يعانون من تأخر في النطق ربما بسبب إنشغال والديه ، خاصة الأم ، ربما بالعمل أو العلاقات الاجتماعية ، ومن المؤسف أن الأم تكون حاضرة في نفس المنزل لكنها توكل تربية الطفل إلى المربية التي قد لا تتحدث معه وإن تحدثت كان ذلك بلغة أجنبية أو لغة عربية ركيكة.
لا شك بأن التربية تسهم بشكل كبير في تشكيل الكيان النفسي للفرد وعلاقاته بنفسه والأخرين من حوله، ليس غريبا إذا أن نجد ذكرها في القرأن الكريم في آيات كثيرة ، والتربية لا تقتصر على الوالدين بل تشمل جميع أفراد الأسرة ولا تقتصر على ما يقول الوالدان من نصائح و إرشادات بل تشمل سلوكيات الوالدين وقناعاتهما التي يشهدها الطفل أمام عينيه.
لقد درس علم النفس دور الطبع والتطبع في تشكيل شخصية الفرد ، قام بتحليل دور الجينات الوراثية والتربية في تطور السلوك الإنساني خاصة وأن في أغلب الأحيان يتشارك العملان حيث ينشا الفرد مع أبويه الذين ورث منهما الجينات الوراثية وهما أيضا يقومان بدور القدوة في تشكيل سلوكياته و أفعاله، لذلك نجد أن ابن مدمن الخمر مثلا قد يكون أكثر عرضا لإدمانها بحكم وجود العامل الوراثي وأيضا نشأته في منزل يتوفر فيه الخمر وقد يشاهد والده وهو يشربها فينشأ لديه استنتاج أن ذلك امر طبيعي.
لكن الموضوع ليس بتلك البساطة ولا يقتصر على الوراثة أو القدوة ، كما أن ليس جميع أبناء مدمني الخمر يرثون أو يتعلمون ذلك السلوك ، وليس كل أبناء الأنبياء صالحين و خير مثال على ذلك ابن سيدنا نوح عليه السلام فرغم أن والده أمضى أعوام عديدة في دعوة قومه لاتباع دين الله إلا أن أحد أبنائه لم يؤمن به رغم أنه نشأ في بيت النبي نوح عليه السلام ، قد يقول البعض أن والدته لم تكن من المؤمنين أيضا و لعل ذلك سببا في عدم إيمان الابن ، ولعل في ذلك حكمة لا يعلمها إلا الله.
تشير الدراسات النفسية أن من أهم العوامل التي تساعد الطفل في تجاوز التجارب النفسية هي وجود الدعم من أحد الوالدين أو كلاهما ، هذا الدعم يمنحه الشعور بالأمان وبالثقة في من حوله ، فيشعر أن هناك ظهرا يستطيع أن يستند إليه إذا ما تكاثرت عليه الهموم ، ويتعلم أيضا أن يكون هو أيضا ظهرا للآخرين فتستمر سلسلة العطاء ، هذا الدعم يتطلب بعض المهارات مثل القدرة على قراءة تعابير الطفل و سلوكه قبل أن يتكلم بما يدور في خاطرة، قد يكون على شكل سؤال بسيط مثل ” كيف كان يومك ” أو إظهار الاهتمام عندما يسرد الطفل ما حدث معه أو معها في الروضة أو المدرسة ، أو مساعدته في القيام ببعض الأنشطة مما يعمق العلاقة بين الطرفين، هذا الحضور من الوالدين يتطلب تقليص الوقت الذي نقضيه على الهواتف و مواقع التواصل الاجتماعي و إدراك أن الوقت الذي يقضيه الطفل على الأيباد يحرمة تعلم مهارات اجتماعية أساسية في تشكيل شخصيته.
وختاما ، ومهما كانت قناعاتنا أو أسلوبنا المفضل في التربية لا ننسى أن ندعوا لأبناءنا وبناتنا أن تشملهم رعاية الله في كل وقت وحين.