الصحوة – نصر بن منصور الحضرمي
في زمن يقدس السرعة ويلهث خلف كل ما هو عابر، تتبدد أحيانا جماليات التأني، لكن هلال العيد في عُمان يأتي حاملا معه بوصلة تعيد تركيز الأرواح على تفاصيل تختزل روح المجتمع وتاريخه. فما إن يبزغ الهلال حتى تتناغم قلوب العمانيين تحت وسم واحد “لقطة عُمانية في العيد” ليصير الفضاء الرقمي منصة تُحاكي بها العدسات سردا ثقافيا يروي عبق التراب وعبق التقاليد، من مسندم بجبالها الشامخة إلى ظفار بأطيافِها الفسيفسائيةِ.
هذا الوسمُ الذي احتشد في قلوب المشاركين قبل شاشاتهم، لم يكتف بتوثيق لحظات الفرح العابرة، بل تحوّل إلى حكاية جماعية تُجسّد التنوع الثقافي والاجتماعي الذي تختزنه كل قرية وكل ولاية وكل محافظة. فها هي الأسواق التقليدية (الهَبْطَةُ) تستعيد ألقَها قبل أيام من العيد، وتتسابق فيها الأسر بين أروقتِها كأنّها تعانق ذكريات الأجداد. وها هي الأزياء المزركشة، والأطعمة الشهية، ومنتجات العيد الخاصة باللحم، تتحوّل إلى رموز تروي للعالم قصة شعب يحمل في ثناياه حضارة ضاربة في القدم.
لم تكن تلك اللقطات مجرد صور تنشر عبثا، بل صارت أداة ناعمة تحيي الهوية وتنمي الانتماء. ففي كل زاوية توثّق، وكل ابتسامة تشارك، تزرع في نفوس الشباب بذور الفخر بتراثهم، حتى وهم يسبحون في فضاءات التكنولوجيا التي كادت أن تذوب فيها الخصوصيات. وتعانق كبار السن فرحة وهم يرون أحفادهم وأبنائهم يعيدونهم الى ماضيهم وترابطهم الاجتماعي الذي عاشوه مع ابائهم، فتتأطر الصور بهم.
لقد نجح الوسم في تحويل السرعة الرقمية إلى فرصة لإبطاء الزمن قليلا، والتأمل في تفاصيل تذكرنا بأن الجمال الحقيقي لا يختزل في اللمحات العابرة، بل في العمق الذي تختزنه الأرض والإنسان.
اقتصاديا، فقد حول الوسم الاستعداد للعيد إلى حراك تجاري وثقافي، فنشطت الأسواق، وخصوصا أسواق المنتجات المحلية، وارتدى الإرث العماني حلّة عصرية تليق بأن يعرض للعالم. حتى السياحة استفادتْ من هذه الصور التي غدت نوافذ تطل منها الشعوب على جمال عُمان، فألهمت فضول مشاهير التواصل الاجتماعي من خارج عُمان لاكتشاف سر هذا التناغم بين الأصالة والحداثة.
وإذا كان العالم ينادي اليوم بالتأمل لمواجهة طوفان التكنولوجيا، فإن عُمان اختطت طريقها الخاص فبدلا من صراعِ الأجيال، ها هي عدسات الشباب تلتقط ذكريات الكبار، وبدلا من تفكك الروابط، ها هي المنصات الرقمية تحول اللحظات العائلية إلى ميراث رقمي يجمع شتات القلوب.
في الختام، “لقطة عُمانية في العيد” ليست مجرد وسم، بل هي قصيدة مرئية تذكّرنا بأن الهوية ليست حجرا في متحف، بل نبضا حيا يجدد نفسه كل عيد بلون جديد. فتحية لشعب حوّل فرحة فردية إلى إرث جماعي، ولوطن يكتب بحروف الضاد والتراث وبعدسات مبدعيه أجمل التعريفات عن نفسه.