الصحوة – د. فوزية بنت عبدالله الشحية
اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل بل هي وعاء للثقافة، والتاريخ، والهوية حيث تعكس اللغة طريقة تفكير الشعوب، وتحمل في طياتها مشاعرهم، وقيمهم، وحتى رؤيتهم للعالم. كما أن لها دورًا في تشكيل الوعي الجماعي للأفراد وتأثيرهم على بعضهم البعض. فالأمة التي لا تراقب مصطلحاتها، ولا تهتم بلغتها و بمعاني الكلمات التي تتداولها، هي أمة تفقد قدرتها على ضبط وعيها الجمعي، وتترك المجال للتلاعب بمفاهيمها وقيمها دون أن تدرك ذلك.
فالمصطلحات ليست مجرد كلمات تُقال أو تُكتب، بل يجب أن نعي تماما بأنها مفاتيح لفهم الواقع وتوجيه التفكير وبالتالي الأفعال، وعندما تُفرض على أمة ما مصطلحات معينة دون أن تدرك معانيها الحقيقية، فإن وعيها يصبح خاضعًا لمن صاغ تلك المصطلحات وروّج لها، وحين يتم استبدال كلمات ذات معانٍ واضحة بأخرى مبهمة أو منحرفة الدلالة أو بمعنى أدق وأوضح مجندة وموجهه لأهداف مغرضة، كلها تُفضي إلى تشويش فكري وإضعاف للرؤية النقدية للأفراد والمجتمع وهو ما يعزز إلى ما يسمى ب(سياسة القطيع).
ولا يقتصر خطر المصطلحات غير المضبوطة على الاستخدام العفوي، بل يمتد إلى استراتيجيات متعمدة تستخدمها القوى المؤثرة عبر نظريات إعلامية مختلفة وحديثة على الساحة الإعلامية وما يتبعها من وسائل وأدوات لإعادة تشكيل وعي المجتمعات وهذا ما لاحظناه مؤخرا اذا ما تابعنا ما يتم بثه ونشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيره من الوسائل الإعلامية الموجهة و في بعض الخطابات الرسمية أيضا ، مما يؤثر بشكل غير مباشر على مسامع الأفراد و وتوجهاتهم وإدراكهم للمعاني والمصطلحات اذا ما تم الانتباه لها وتنبيه الآخرين عبر نقاشات وحوارات وبرامج مفتوحة .
الأمم القوية هي التي تمتلك سيطرة واعية على لغتها ومصطلحاتها، وتدرك أبعاد الكلمات التي تستخدمها فحين تهتم المجتمعات بمفرداتها، وتحرص على فهم دلالاتها، فإنها تحصّن وعيها ضد الاختراقات الفكرية، وتضمن أن تكون رؤيتها للعالم متماسكة ومستقلة.
إذن إن مراقبة المصطلحات ليست ترفًا لغويًا، بل ضرورة حضارية ، فكما أن أي أمة تحمي حدودها من الاختراقات الجغرافية، عليها أيضًا أن تحمي لغتها من الاختراقات الفكرية، لأن ضياع المصطلحات هو ضياع للوعي، وضياع الوعي هو ضياع للهوية والمستقبل .
وليحفظ الله عماننا تحت ظل القيادة الحكيمة والرؤية السديدة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه- حيث تواصل عمان مسيرتها المشرقة نحو التقدم والازدهار ، فبحكمته السياسية وبصيرته النافذة ترسخت دعائم النهضة العمانية المتجددة متماشية مع متطلبات الدولة العصرية المتكاملة الأركان حيث أثبت جلالته منذ توليه مقاليد الحكم ، أنه قائد ملهم يجمع بين الحكمة والرؤية العميقة التي تواكب المتغيرات العالمية وتحافظ في ذات الوقت على الهوية الوطنية والثقافية للبلاد.