كتبت/ كلثم بنت عبد الله الدرمكية
د.إيهاب أبو ستة: المجتمع دون أي مجاملات ليس إلا مجتمعًا باردًا مفككًا.
أحمد السليمي: لماذا نسعى دائما لإثبات أهمية الطرف الآخر لنا من خلال المجاملة المفرطة!
سهام الناصرية: المجاملة المعقولة سلوك إنساني.
إن الحياة تقتضي وجود أسلوب اللطف عند التعامل مع الآخر من باب تحسين العلاقات الاجتماعية وتعميقها فيجامل أخيه خوفا من وقع كلمات جارحة على قلبه، لكن اتخذت المجاملة منحنى آخر تطلبت فيه تبذيرًا للأموال من أجل مشاركة الفرد الآخرين أثمن الهدايا أو تكريم ضيفه بأكثر من مقدور جيبه!
هل فعلًا يحتاج المرء منا إلى تغيير قناعاته الداخلية من أجل التعايش -ولو ظاهريا- مع كل ما يستجد في الحياة الاجتماعية!
مشاركة وجدانية
أكد الدكتور إيهاب محمد أبو ستة، أستاذ مساعد النحو والصرف والعروض بقسم اللغة العربية بجامعة السلطان قابوس، على ضرورة المجاملات في الحياة الاجتماعية قال: “المجاملات الاجتماعية أجدها ضرورة ملحة من أجل ترابط المجتمع؛ فبالمشاركة الوجدانية يتزايد ترابط الأسرة الواحدة أيضا، كما يصبح الفرد عضوا فاعلًا يبادر بمبادلة الهدايا فكما قال حبيبنا المصطفى: “تهادوا، تحابوا” مما ينتج عنها توسيعًا في دائرة المعرفة، وأجد المجتمع دون أي مجاملات ليس إلا مجتمعًا باردًا مفككًا، لا يتعارف أعضائه ولا يتآلف، بيد أن وجودها يقتل الفردية والأنانية من الانتشار في محيطه”.
الذكاء الاجتماعي!
ويشير عمر علي القايدي، خريج قسم العلم الاجتماعي بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية في جامعة السلطان قابوس،إلى أنه في ظل تسارع الحياة الاجتماعية تظهر الكثير من المشكلات اليومية، كالخصام والتفرقة والجفاء والكراهية، والعديد من المشكلات الأخرى التي تدخل ضمن نطاق العلاقات الاجتماعية سواء كانت بين الصديق وصديقه، الزوجة وزوجها أو حتى بين المسؤول والعامل، فمن شأنها أن تؤدي إلى تفكك المجتمع فيما بعد.لذا يتوجب علينا تعلّم فن المجاملة لكسب ود الآخرين، والتي تعني “كسب القلوب قبل المواقف” أي إرضاء الآخرين، مراعاة شعورهم وحقوقهم وتطلعاتهم ففي الحقيقة المجاملة تأتي تحت إطار الذكاء الاجتماعي.
المجاملة المحمودة
وتبين فاطمة الهدابية، طالبة إذاعة وتلفزيون بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية، استخدامها للمجاملة لا يتأتى بدوافع سلبية قائلة: “لا أخفي أنني ألجأ إلى استخدام المجاملة (المحمودة) أحيانًا لاسيما مع الأشخاص الغرباء الذين تربطني بهم علاقة سطحية؛ خشية أن يؤثر حديثي أو ردة فعلي عليهم سلباً بحكم عدم معرفتي التامة بهم، ويظهر ذلك أثناء توجيهم لي بـسؤال ولنفترض عن مدى إعجابي بأمر قد فعله وأنا لم أُعجب به، بل ولست مؤيدة له كما وأراه أمرًا عاديًا للغاية لا يستحق فغالبًا ما تكون إجابتي قليلًا مُحملة بالجانب الذي يظهر إعجابي به وأنه لأمر جيد أكثر عن إظهاري للجانب الذي أود انتقاده فيه؛ وذلك من باب التعزيز.مع ذلك فإنني دائما ما أتخذ قرار الاعتراف، ولكنني بعض الأحيان لا أتمكن ويطغى الجانب الذي تظهر فيه مجاملتي، على الرغم أنني مدركة أن قيامي بهذه المجاملة لسبب عاطفي لن أستطيع من خلالها إفادة أو تحسين الطرف الآخر جذريًا أو على الأقل شخصيًا.فـأرى أن المجاملة المحمودة تمثل ذوق على خلاف ئئالمجاملة السلبية التي ربما قد تكشف الغطاء عن حقائق وأفعال البشر”.
عبء!
ومن منظور أحمد السليمي، طالب علاقات عامة بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، الشخصي يؤكد لا ضرورة للمجاملة الاجتماعية طالما أنها تسبب خللا في الوضع الاقتصادي للفرد قائلًا: “عادةً ما يكثر استعمال أسلوب المجاملة بين الأهل والأصحاب وذلك إما لمصلحة شخصية أو للتودد والتقرب وإظهار المحبة والألفة للطرف الآخر، لكن هناك من يتعدى حدود المعقول ليصل إلى درجة التكلف والمبالغة فنجده يجامل غيره على حساب ذاته فيقدم أثمن الهدايا بل وأغلاها قيمة للطرف الآخر حتى وإن تسببت بعبء مادي، ونجد آخر يدعو أقاربه وأصحابه لمناسبة ما فيسرف ويفرط فيما يقدمه لهم على حساب مفهومي الجود والكرم، إلا أنني أجد في ذلك مغالاة تندرج تحت المجاملة ذاتها.إن أساس العلاقات الاجتماعية الود والمحبة وليس للمجاملة أي أهمية في إطارها، فلماذا نسعى دائما لإثبات أهمية الطرف الآخر لنا من خلال المجاملة المفرطة؟”.
إساءة الظن
فيما يعتقد محمد الدرمكي، طالب جامعي بسنته الرابعة، أن من أسس إبداء الرأي أو النقد أيّا كان هو قولُ الحق الذي لا تشوبه شائبةٌ قائلًا: “لا أرى لتلك التي تسمى بـ “المجاملات الاجتماعية” ضرورةً يقتضي عليها المبادلة مع الآخرين، فنجدُ الكثير منّا يصنع من مجاملات الغير أوهامًا على صوابه في الفعل ونراهم يشيدون قصورًا في السماء إلى أن تنحدر بهم في وهلةٍ من العمر! إن عدم اتفاقي للمجاملات الاجتماعية لا يعني التخلي عن التحفيز واللطف في مقابلة الغير لأفعالهم، بل وعلى العكس تمامًا فإن النقد عندما يكون بطريقةٍ إيجابية نراه نقدا بناءً لا هادما حطّاما.
وأضاف “ظاهرة المجاملات في مجتمعاتنا العربية والخليجية -على وجه الخصوص-ظاهرةً منتشرة بشكلٍ كبير، بِيد أني لا أجد لتفاقمها نفعًا؛ وإنما تكبر معها إساءة الظنون خصوصًا من الطبقة اللاواعية كما أرى أن الاعتياد دونها أو تقليلها عند الحديث ما هو إلا بدايةً للحد من خطرها على نفوس الآخرين.”
الاتزان
تشير إحدى دراسات المجتمع الياباني أن الأشخاص الذين يتلقون مجاملات أثناء تنفيذ عمل معين يكون أداؤهم أفضل بكثير من الأشخاص الآخرين.
وصرحت منيرة الحضرمية، طالبة علم نفس بكلية مزون، أنه كلما كانت المجاملة متزنة وصادقة وغير مبالغ بها، تركت الأثر الطيب في نفس كل من المعطي والمتلقي وبالتالي يصبح المجامَل أكثر انسجامًا بين كلام الشخص وأفكاره وقناعته الذاتية، حيث قالت: “المجاملة اللطيفة تحفز الذات، وتكون مصدرا لبث المشاعر الإيجابية، وهي وسيلة جيدة للدعم العاطفي وتوطيد العلاقات -على أن تكون مجاملة معتدلة غير مبالغ بها- وفي كثير من الأحيان تفقد المجاملة قيمتها فتصبح أقوالًا مزيفة وتفسد الترابط الاجتماعي وتبعدنا عن الواقع والأخطر من ذلك، حينما تتعدى لتصبح أفعالا مسببة مشاكل اجتماعية وأعباء نفسية فقد أصبح تقديم الهدايا باهظة الثمن والإسراف في الحفلات والعزائم شكلا من أشكال المجاملات المقبولة في المجتمع وقد تمتد المجاملات إلى مجال العمل ما بين التوسط لأحدهم لينال ما لا يستحقه وقبول الرشوة للوصول إلى منصب أو مكانة أعلى مما ينتج الفساد والظلم ويمنع الأفراد من تطوير ذواتهم ويدفعهم للكذب والنفاق”.
ووافقتها الرأي سهام الناصرية، خريجة العمل الاجتماعي بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، قائلة: ” أعتبر المجاملة المعقولة سلوك إنساني يعبر من خلاله الفرد عن مشاعره الإيجابية نحو الطرف الآخر مع مراعاة عدم الخروج عن الحدود المتعارف عليها من باب اللطافة وذلك من أجل الحفاظ على العلاقات الاجتماعية المختلفة، من أجل رفع الهمم و تعزيز الثقة.. المجاملة في مجتمعاتنا العربية عرف اجتماعي سائد يظهر عند الترحيب بالضيوف وإكرامهم، يظهر من خلال احترام أصحاب العمل لزملائهم ورؤسائهم، يظهر أيضاً في العلاقات الأسرية وغيرها من المظاهر التي توضح أن المجاملة الواقعية البعيدة عن المبالغة مهمة جداً ضمن إطار التهذيب والاحترام، لكن بين المجاملة والنفاق هناك خيط رفيع قد يغفل عنه الكثيرون فالمجاملة إبداء إعجاب بصفات موجودة فعلاً في الشخص المخاطب و تجنب ذكر السلبيات، بينما النفاق المختبئ في لباس المجاملة هو تحويل الصفات السيئة الموجودة عند المخاطب لجوانب و مهارات إيجابية عظيمة بإبداع لغوي و كلام منمق وتختلف الدوافع المؤدية لهذا الأمر. فإذا كانت المجاملة مفرطة فمن الممكن أن تتسبب ببعض المشكلات على عكس لو كانت هادفة وموضوعية ومبنية على مشاهدة واقعية”.