الصحوة – أسماء المخينية
الحياة جميلة جداً ولطيفة بأيامها وأوقاتها ولحظاتها وشهورها وفصولها وبكل ما قدّره العظيم فيها ونحن فيها باقون ما دام القلب ينبض والروح بين شهيق وزفير .
إنّا نحن كبار السن رواية ألفية الصفحات وكثيرة الفصول لكل فصل عنوان من الصلابة والاتزان والضعف والحزن والضجيج والاهتزام. حياتنا فخمة المعاني وقوية الكلمات، بين سطورها منعطفات بين انعراج وضيق وسهالة وتطرق وتجوب في شقاق احوالها الكثير من التغيرات .
لم نخلق عبثا ولم نأتي للحياة للنزهة فهناك سلالم وعقود من الأقدار تمضي بنا في حقول أعمارنا وتيارات أحوالنا، فمن هم اليوم في عمر العشرين قد مروا ببراءة الطفولة، ومن هم في عمر الثلاثين فقد مروا بعمر النشوة والصبوة العشرينية، ومن في عمر الأربعين تراقصوا مع البهجة الثلاثينية، وكذا أصحاب الخمسين عاشوا الخريف الأربعيني الناضج ومن حَالَل الستين فقد تمتع بخمسينية الإدراك والفهم ومن ركب سلم السبعين والثمانين فقد بدأ يصافح الحياة بشيء من الهدوء والرضى مستقبلا ذاك القضاء الرباني الكريم بشتى أنواعه ومسمياته .
خضنا معارك الحياة بهزيمة كانت أو بفوز واستنشقنا من رياحينها وزهوة حكمتها وواكبنا الظروف بزمانها ومكانها وعشنا المسميات الدنيوية بعناصرها وأهدافها وأمتحاناتها وانتكتساتها وخيرها وشرها .
طفولتنا ومراهقتنا كانت بأروع اللحظات وأصدق معاني البراءة والنيات، ارتوينا من نُهُرْ التربية التى تجلت في التسامي المحمدي، وتسامرنا بالمحبة مع جنسنا أو الجنس الآخر بالتعاون والأتفاق والمزاح والبسمات بقلوب طاهرة صافية، تعلمنا تحت ظلال الاشجار الحانية كتابنا العظيم ونورنا المستديم وهدانا المستقيم قرآننا الحق المبين ، حتى حان الوقت نسكن عشوش أرواحنا ومن هم لباس لنا لتطيب قدسيتنا بفلذات أكبادنا وتمضي بنا الاقدار بين مد وجزر وصفاء وغيوم وفرح وكدر والحمد لله رب العالمين .
مضت الحياة بنا وتجرعت قلوبنا كاسات من الآلم وعِذوب من السعادة والرفأ حتى اشتعل الراس شيبا وبلغلنا من العمر عتيا فشاءت الاقدار ان تهرم العظام وتوهن الاجساد ونعود الى عاهد اعمارنا صغارا نستجدي الحنان ونرغب في الدلال وكثير الاهتمام نرتجي تلك الايدي الدافئة ونستهوي الهدايا الصادقة ، حتى اذا اعترانا المرض او اقعدنا المشيب وددنا ان لا نكون ثقلا على احد ولا ان تقطعنا سكاكين الشفقة ولا ان نهمل في دفترٍ منسي فقط حقوقنا الآدمية أولا ثم كلمة كبار السن ان شئتم فالحياة ماضية بنا وبكم .