الصحوة – ذكرى راشد الهنائية
احتواء الأسرة في ظل كورونا
ساهمت فترات الحجر الكلية والجزئية التي فرضها كورونا في قضاء الأسر وقتا أطول داخل المنزل بعد أن كانوا مشتغلين جزئيا عن بعضهم البعض، وأن هذا التوجود الأسري الغير مسبوق من قبل والطويل المدة قد يصنف العائلات إلى قسمين ، فقسم سوف يجد كل سبل المودة واللطف والتعاطف داخل الأسرة لينجح في احتواء أسرته رغم اختلاف الظروف عليهم ، والقسم الآخر سيجد نفسه أمام سلسة من المشاكل الأسرية المؤجلة الكشف والتي ستجد وقتها للخروج والتفاقم الغير محمود الذي سؤدي إلى حالات قد تصل إلى الطلاق بعضها وقد يستمر جزء منها بسرد يومي من الجو المشحون.
ومن أجل الحديث عن هذا الموضوع والإضطلاع على أهم مضامينه يحدثنا عنه الدكتور طلال الرواحي استشاري تربوي ومدرب في تطوير الذات .
الحل مع غلبة الأنا وفرض الرأي
أول حل أن يراعي الإنسان نفسه، لأن أغلب الأسر كل فرد فيها يحاول أن يغير الآخر فالأب يريد تغير فكرالابن والابنة تريد تغيير فكر الأم والأم تريد تغيير فكر العاملة، فكل منهم يريد أن يغير الآخرين ليتقاربوا مع أفكاره؛ لكن حقيقة الحل الأمثل أن نغير أنفسنا أولا ونسأل أنفسنا هل نحن نتمتع بالإيجابية وهل نمتلك حس المشاركة مع الآخرين ، وهل أعد ابني امتداد لي ، وهل زوجتي بالنسبة لي سكن وهل هذا السكن قائم على المودة والمحبة والميثاق الغليظ ، وهل عاملة المنزل نعتبرها فرد في العائلة ، وهل نطبق في العائلة ما يسمى بالمنهج الخفي ، وهل يستطيع أبناءنا أن يتعلموا عن طريق منهج القدوة قبل الدعوة ، فهذه الأسئلة مهمة جدا لنتخلص من موضوع الأنا والتسلط والعنفوانية والتعصب في التربية فكل هذه الأشياء عندما أغير نفسي وأصبح إنسان إيجابي من داخلي أستطيع تلقائيا أن أغير أسرتي لأنني المحرك الأقوى مشاعريا في هذه الأسرة.
أسباب عدم التفهم الأسري الأكثر حدوثا
يختلف عدم التفهم الأسري من عائلة إلى أخرى على اختلاف ظروفهم، وقد يكون من أهمّها عدم الاختيار الصحيح لشريك الحياة المناسب، وعدم التوافق المادي بين الزوجين، وعدم التوافق الكلي سواء كان فكريا أو تعليميا ، كذلك التوقعات المبالغ فيها والصدام الذي يحدث بينها وبين والواقع ، فقد تكون هناك فجوة بين الواقع وبين التوقعات فمعنى ذلك أن الزوج والزوجة لا يلتقيان في نقطة وسط من أجل إحقاق الفهم بينهم فتجدهم مختلفين في النظر للفهم ولا يتنازل الآخر عن موقفه ورأيه .
ولا ننسى مشاكل ما بعد الزواج كالخيانة والإنشغال بالأصدقاء والأعمال المختلفة ونسيان الأسرة في جو مشحون غير مفهوم.
توحيد جهود الوالدين في احتواء أطفالهم على اختلاف شخصياتهم
ينبغي في ذلك أن يتفق الوالدان على منهج تربوي موحد الممنوع عند الأم ممنوع عند الأب والمسموح عند الأب مسموح عند الأم، فالإتفاق على هذا المنهج لا يفسح للطفل مجال أن يتلاعب بين هذا وذاك؛ فعدم وجود هذا المنهج يجعل الموضوع سائبا الممنوع عند الأب مسموح عند الأم والمسموح عند الأم ممنوع عند الأب، وحتى إن أراد الوالدان أن يختلفا فيجب عليهما أن يتفقا على أن يختلفوا، فمثلا في موقف معين يتفقا أن يشد أحدهما ويرخي الآخر على طفله بما معناه أن الإختلاف أيضا مبني على اتفاق مسبق.
الأنشطة التي تعزز التواصل الأسري بينا الأبناء
انتبهوا لأطفالكم بعد انتهاء كورونا لأنهم لن يتذكروا ماذا تعلموا من مقررات دراسية وإنما سيتذكرون كيف كانوا يشعرون في زمن الكورونا ، هل أحسوا بقرب أمهم و أباهم هل أحسوا بالإحتواء، وهل قضوا وقت ممتع داخل البيت ، هل لعبوا كأسرة واحدة ، وما المشاعر السائدة في المنزل هل كانت قلق وتوتر وخوف وعصبية أم كانت مشاعر الحب والإحتواء هي السائدة.
فاحسنوا لهم أيها الآباء والأمهات واستشعروا عظمة الله في قدره أن أعطانا فرصة لنتخلص من مسؤولياتنا العملية وأجبرتنا الظروف أن نبقى داخل المنزل ونستغل هذا الإجبار في تقوية الروابط الأسرية.
كورونا ليس سببا لحدوث الطلاق
ارتفاع حالات الطلاق مؤخرا كان السبب فيها وجود ملفات مفتوحة، لاقت رواجها بسبب عدم وجود ارتباطات عملية وتم التطرق لها بطريقة غير سليمة ولا تفضي إلى أية حلول.
فالحياة الزوجية مملكة راقية يجب أن لا تخدش هذه المملكة، ويكون ذلك بالتأسيس الصحيح لهذا الزواج ،ولابد أن نعرف أن ليس كل التوقعات الذي نضعها ونحن صغار عن شريك الحياة نجدها موجودة فيه،فأحمد توفيق الحكيم يقول فيما معنا أنا طوال حياتي أبحث عن امرأة مثالية وعندما وجدتها، وجدتها هي الأخرى تبحث عن رجل مثالي فلم أجد أنا ولم تجد هي المثالية المنشودة ، فيتضح من ذلك أنه لابد علينا أن نكون واقعيين لاختيار شريك الحياة، ولابد من الوضوح التام قبل أن يتم الزواج والوضوح يشمل جميع الجوانب الأسرية المستقبلية وذلك يقتضي أيضا وضع سيناريوهات لما بعد الزواج حتى لأبسط الأشياء كاختيار اسم المولود مثلا.
فالتأسيس الصحيح هوالذي يكون بعلم وبوضوح وبوعي وهوالذي يجنبنا أن نقع في شر الطلاق.
أخيرا،،،
نصيحتي أن ترجعوا لماذا الله سبحانه وتعالى شرع الزواج والمعنى المراد من الزواج الذي نجده يتجسد في آيات الله عندما قال: ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون “. فالسكن فيه طمأنينة وأمان وهدوء وإحتواء، والمودة والرحمة من أركان هذا الزواج وإرجاع الزواج لأصله يجعلنا نستطيع أن نتعامل التعامل الحسن داخل الأسرة.