الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
سارت ممارسة الشورى المؤسساتية في بلادنا العزيزة، بشكل متدرج ومتطور، تسارعت في بعض مراحلها وتباطأت في مراحل اخرى، لأسباب عدة، لكنّ المؤكد أنها لم تقفز على الواقع ولم تستورد افكاراً معلبة، قد لا تناسب البيئة العمانية.
وإذ كانت هذه الممارسة في البداية مجرد شورى معلمة أي غير ملزمة للحكومة حتى عام ٢٠١١م، فإنه ووفقاً للتعديلات التي أُدخلت على النظام الأساسي للدولة السابق، فيما يخص مجلس عمان بغرفتيه الدولة والشورى، فقد ذهب الأكاديميون والمراقبون والمجتمع على حد سواء، بأن فصلاً جديداً قد بدأ بشأن هذه الممارسة بما يعطي المجلسَين صلاحيات فعلية حقيقية ترسخ مكانتهما في مجال صناعة القرار الوطني، والإيمان بمبدأ الشراكة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
انقضت فترتان من عمْر مجلس الشورى بعد التعديلات هما السابعة والثامنة، وبأمانة متناهية لم تكونا على قدر تطلعات وآمال المواطنين لأسباب عدة، لعل أبرزها حاجز الخوف الذي تولّد في ذهن بعض المسؤولين النافذين من انفلات عقال ممارسة المجلس للصلاحيات الممنوحة له، على عكس خططهم، واحتجاجاً بما يجري في بعض البرلمانات من علوٍ في الصراخ وخروج على أدبيات الحوار والنقاش، واستخدام لغة الذمّ والقدح والاتهام غير القائم على دليل، هذا إلى جانب أنّ هؤلاء المسؤولين مازالوا مترددين في قبول مبدأ الشراكة في الشأن العام، لذلك كانت نظرتهم أن يظل المجلس تحت الوصاية، وبالتالي يجب عليه ألا يخرج عن الطوق الذي حدّدوه، والأدهى من ذلك، أنّ الحكومة هي ذاتها من حدد الوزارات الخدمية التي يجوز الاستجواب معها وتقديمها للبيانات الوزارية، بل ذهبت أبعد من هذا، عندما فسرت بعض نصوص النظام الأساسي للدولة السابق بمفردها، ووفقاً للسياقات التي تخدمها، بل إنّ الجهة المختصة رفضت نشر اللائحة الداخلية لمجلس الشورى في الجريدة الرسمية؛ بحجة لزوم عدم خروج أثرها القانوني خارج جدرانه، وهو – في نظرنا – قولُ خطير للغاية، من عدة وجوه :
فالمشرع الدستوري منح كلاً من مجلسي الدولة والشورى وفقاً للمادة ٥٨ مكررا ٢٥ تفويضاً مطلقاً غير محدود أو مشروط، لأنْ بضع كل منهما لائحته الداخلية التي تنظم حقوق الأعضاء وواجباتهم وسائر شؤون المجلس بما فيها حق الاستجواب لمجلس الشورى، ولنا أن نتصور القصور المترتب، إذْ كيف للائحة تنظيم استجواب وزراء الخدمات ثم لا يعدو تأثيرها جدران المجلس، وكأن الاستجواب والبيانات الوزارية هي من أجل الجدران، ناهيك عن حقوق الأعضاء وكيفية استخدام الأدوات الرقابية، أضف إلى هذا صدور قوانين أثناء أدوار الانعقاد لم تعرض على مجلس عمان حتى .
وعلى الطرف الأخر كان أعضاء مجلس عمان بغرفتيه الدولة والشورى، وخاصة الشورى متحفزين لممارسة الصلاحيات التي نصّ عليها النظام الأساسي للدولة السابق، معتقدين أنّ الطريق ممهد ومفروش بالورود، فبالغوا في رفْع سقف الخطاب الخشن ضد الحكومة، وأطلقت بعض الاتهامات جزافاَ دون دليل، الأمر الذي خلق امتعاضاَ وتخوفاَ، فكان ذلك سبباً في ظهور فجوة بين الطرفين، ثمّ جاءت الفترة الثامنة لمجلس الشورى فزادت نبرة الخطاب البرلماني خشونةً لدى بعض الأعضاء، الذي ربما ضاعف توجس بعض المسؤولين، ولذلك بقيت الفجوة على ما هي عليه، واتسعت رقعة عدم الثقة بين الطرفين، خلق مناخاً صعباً للعمل المتوافق والمتناغم بينهما.
وأمام عجز مجلس الشورى عن ملامسة هموم ومشاكل المواطن البسيط، واجه نقمة عليه من قبل شريحة كبيرة من المواطنين، ووجهت له سهام النقد والسخط، وهذا ما انعكس سلباً على الانتخابات للفترة التاسعة، رغم الجهود الكبيرة التي بذلت من قبل اللجنة الإعلامية المنبثقة عن اللجنة الرئيسية للانتخابات، وكان لي دور متواضع في أحد البرامج التوعوية، في عديد من حلقاته.
ومع تفضّل جلالة السلطان الهيثم المعظم حفظه الله ورعاه وأيده وابقاه، بإصدار النظام الأساسي للدولة الجديد، أحال فيما يتعلق بتنظيم شؤون المجلسَين بعض الأحكام إلى قانون مجلس عمان الذي صدر بالتزامن، مع صدور النظام الأساسي الجديد للدولة، لكنه لم يُنشر في ذات الوقت، فتعلقت الآمال بتوسعة صلاحيات المجلس وخاصة مجلس الشورى فيما يتعلق بالرقابة البرلمانية، لكن القانون جاء على عكس المأمول، حتى كلمة أن كلمة “رقابة” قد تمّ إلغاؤها، واستعيض عنها بكلمة “متابعة” مع أنّ النتيجة واحدة، والمعنى متقارب، ولكنها الحساسية المفرطة لبعض المصطلحات من جانب الجهة التي قامت بإعداد القانون، يحاولون تجنّبها، ناهيك عن القيود والإجراءات التي تمّ فرضها على مجلس الشورى فيما يتعلق بأدوات الرقابة أو المتابعة لأداء الحكومة.
ومع كل ذلك فإننا وفي العهد السعيد لجلالة السلطان الهيثم المعظم حفظه الله، نتطلع أن يكون هناك توازن بين الحكومة ومجلس الوزراء ، فلا ندعو أن يتسيد أحدهما على الآخر بل ندعو إلى إيمان الطرفين بمبدأ التعاون والشراكة من أجل المصلحة الوطنية العليا، فلا غالب ولا مغلوب، وإنما الغالب في جميع الأحوال عمان الوطن، وعمان الدولة، وعمان الشعب .
ولما كانت رؤية عمان ٢٠٢٠- ٢٠٤٠ تحمل في مضامينها توسعة الصلاحيات التشريعية والرقابية، فلذلك أتقدم من مقام مولانا جلالة السلطان المعظم بالتماس تشكيل لجنة من اختصاصيين محايدين، تدعمهم الإرادة السامية، لمنع أي ضغوط أو تدخلات من أي طرف، تعمل بعيداً عن الحكومة ومجلس عمان، تقوم على صياغة رؤية لدور العمل البرلماني في السلطنة، تكون جاهزة للتطبيق حالما يرى جلالته أوان ذلك .