الصحوة – الدكتور حمد السناوي
في إحدى مجموعات الواتس أب والتي تضم أطباء وأختصاصيين نفسيين من مختلف الدول العربية قام أحد الزملاء بنشر فيديو لمقابلة تليفزيونية لمعالج نفسي شاب يصرح فيه أنه “ينصح مريضاته بالطلاق إذا حدثت إحدى الأمور الأربعة التالية: وهي التعرض للخيانة، أو الضرب والإهانة، أو أن يتعاطى الزوج الخمور او المخدرات”. إحتدم النقاش بين الأعضاء المجموعة، فمنهم من اعتبر تصريح ذلك المعالج النفسي منافي لأخلاقيات المهنة فليس من حق الطبيب أو الاختصاصي النفسي أن يقدم نصيحه مباشرة للمريض أو أن يتدخل في إتخاذ القرارات، بينما اعتبر البعض أن المعالج يمارس حقه الشرعي في التعبير عن الرأي مع إتفاق الجميع بأن العنف الأسري غير مقبول تماما مهما كانت الأسباب.
ذكرني هذا المقطع بموقف مشابه حدث منذ أعوام عندما ذهبت مريضه لإحدى المراكز النفسية تشكو من أعراض القلق وزيادة الخلافات الأسرية وذكرت أن زوجها عصبي المزاج وأحيانا يعتدي عليها بالضرب فردت عليها الأختصاصية النفسية “لو كنت مكانك لطلبت الطلاق فورًا” ، أخذت المريض بالنصيحة وحدث الطلاق، لكنها ندمت على ذلك وعادت إلى المركز بحثا عمن يصلح ما أفسدته نصيحة تلك الأختصاصية.
تعتبرالاخلاقيات المهنية في القطاع الصحي من الموضوعات الأساسية التي تنظم علاقة الأطباء وغيرهم من العاملين في المجال الصحي مع المريض، ولست أبالغ إن قلت بان لهذه الاخلاقيات
أهميه أكبر خلال الاستشارات النفسية خاصة وأن بعض المرضى النفسيين يشعر بتذبذب في ثقته بنفسه وتردد في إتخاذ القرارات مما يجعله عرضه لتاثير الأخرين مهما كانت نواياهم.
شخصيا أؤمن بان الاستشارة الجيدة هي تلك التي يشعر المريض خلالها أنه داخل “منطقة أمان” يعبر فيها عن نفسه دون خوف من أن ينتقده المعالج أو يحكم عليه أو يفرض عليه رؤيته الخاصة للأمور ، فالمعالج الجيد مستمع جيد، لا يتسارع في تقديم النصيحة أو إصدار الأحكام بل يساعد المريض في الوصول إلى الحل المناسب له والذي يتوافق مع قناعاته واختياراته الشخصية، أحيانا يدفعنا التعاطف مع المريض إلى تقديم الحلول بدل أن نكتفي بأن نضع أنفسنا مكان المريض لنتفهم موقفه، دون أن نتدخل في صنع القرارات بالنيابة عنه.
المستشار مؤتمن على أسرار المريض وخصوصياته لا يشارك بها الأخرين إلا بعد أخذ إذن من المريض أو إذا كانت المشاركة ضرورية لحفظ حياة المريض أو سلامة من حوله، والمستشار مخلص في عمله يسعى إلى تطوير مهاراته ليفيد مرضاه بالطرائق العلاجية المثبتة علميا دون اللهاث وراء ما هو رائج لكسب المريض دون تقديم الفائدة المرجوة من الجلسات الاستشارية، والمستشار متواضع لا يترفع من أن يأخذ برأي من هم أكثر منه خبره و يستنير بأفكارهم ليتمكن من تقديم الخطة العلاجية المناسبة دون الانحياز لاشعوريا لرغبات المريض والتي قد تؤثر على العلاقة المهنية بين الطرفين.
والمستشار يحترم قوانين المجتمع الذي يعمل به فلا يروج للأفكار المسمومة والتي تأجج الفتنة بين الأفراد والجماعات.
ختاما، لا ننسى دور الحكومة والمؤسسات المعنية في تعزيز هذه الأخلاقيات وإصدار القوانين التي تحفظ حق المريض والطبيب دون أن يترك الموضوع لضمير المستشار ، فالضمائر وحدها لا تكفي.