الصحوة – وعد بنت يعقوب المحروقية
تعد جريمة تمويل الإرهاب من أخطر الجرائم التي تهدد العالم لاتصالها المباشر بالإرهابيين والعمليات الإرهابية التي تدمر أمن واستقرار الدول من جهة والاقتصاد من جهة أخرى فضلا عن اتخاذها نمط الجريمة العابرة للحدود الوطنية، فكان لابد من سن تشريعات تجرم تلك الأفعال سواء على المستوى الوطني أو الدولي لتجفيف مصادر التمويل، فبقطع التمويل الذي هو شريان العمليات الإرهابية لن يتمكن الإرهابيون من تنفيذ مخططاتهم الإجرامية.
وعلى ضوء ذلك صدر قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالمرسوم السلطاني رقم (30/2016م) مكملاً لقانون مكافحة الإرهاب الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (8/2007م). وعرفت المادة الأولى، من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، جريمة تمويل الإرهاب بأنها: كل فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة (8) من القانون. ونصت المادة (8) على أنه يعد مرتكبا لجريمة تمويل الإرهاب كل شخص يقوم بإرادته وبأي وسيلة كانت بتقديم أو جمع الأموال، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مع علمه بأنها ستستخدم كليا أو جزئيا لارتكاب فعل إرهابي أو من قبل شخص إرهابي أو منظمة إرهابية. ويشمل ذلك تمويل سفر أفراد إلى دولة غير التي يقيمون فيها أو يحملون جنسيتها بغرض ارتكاب أفعال إرهابية أو التخطيط أو التحضير لها أو المشاركة فيها أو تسهيلها، أو توفير التمويل اللازم للتدريب على أفعال الإرهاب أو تلقي ذلك التدريب. وقد اعتمد المشرع العماني إلى حد كبير على التعريف الوارد في المادة (2) من الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لعام 1999م وقرار مجلس الأمن رقم (1373).
استقر الفقه والقضاء على أن الجريمة تقوم على ركنين أساسيين هما: الركن المادي والركن المعنوي. وجريمة تمويل الإرهاب تقوم على هذين الركنين. والركن المادي لأي جريمة يتمثل في نشاط الجاني الذي يتخذ مظهراً خارجياً وهذا الركن يتكون من ثلاثة عناصر أساسية وهي: السلوك الجرمي والنتيجة والعلاقة السببية. والركن المادي في جريمة تمويل الإرهاب وفقا للمادة (8) من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يتمثل في قيام الجاني بتقديم أو جمع الأموال تستخدم لارتكاب فعل إرهابي وبالتالي لتحقق السلوك الجرمي لابد من توافر أمرين:
أولا: وجود أموال أيا كان مصدرها، مشروعة أو غير مشروعة، وقد توسع المشرع العماني في تعريف الأموال، فجاء شاملا لكل الأصول والممتلكات بصرف النظر عن قيمتها أو طبيعتها أو طريقة حيازتها، أيا كان شكلها إلكترونية أو رقمية، وسواء أكانت موجودة في سلطنة عمان أم خارجها. كما توسع في تحديد صورها لتشمل: العملة الوطنية والأجنبية، والأوراق المالية، والتجارية، والعقار، والمنقول المادي والمعنوي، والصكوك والمحررات المثبتة لكل ما تقدم، والائتمانات المصرفية والودائع، والحوالات البريدية، والحوالات المصرفية وخطابات الائتمان. كما أجاز للجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب إضافة صور أخرى من الأموال. وقد أحسن المشرع في هذا التوسع، فلا تخرج أي صورة من صور الأموال من دائرة التجريم فضلا عن مواكبة التغيرات وما يستحدث من صور الأموال. ثانيا: القيام بالسلوك الجرمي المتمثل في تقديم أو جمع المال لاستخدامه في عمل إرهابي .وعليه لا يتصور قيام الجريمة إلا بصورة إيجابية.
ويلاحظ أن المشرع العماني لم يكتفي بالتوسع من ناحية الأموال محل التجريم إنما توسع كذلك من ناحية الأشخاص، فلم يحدد صفة معينة في الفاعل (الممول) ولم يميز بين الشخص الطبيعي والشخص المعنوي من حيث الأهلية للمساءلة الجزائية.
أما فيما يخص النتيجة، فجريمة تمويل الإرهاب من الجرائم الشكلية التي لا تتطلب تحقق النتيجة، إنما يكتفي لقيام المسؤولية الإتيان بالسلوك الجرمي المتمثل في وضع المال تحت تصرف الجهة الإرهابية ولو لم يقع الفعل فعلا وذلك وفقا لحكم المادة (9) من القانون.
أما فيما يتعلق بالركن المعنوي للجريمة فإنه يتمثل في العلاقة بين نشاط الفاعل وحالته النفسية، فتكون الجرائم وفقا لذلك إما جرائم عمدية أو جرائم غير عمدية. ولقد اعتبر المشرع العماني جريمة تمويل الإرهاب من الجرائم العمدية التي يقتضي لتحققها توافر القصد الجنائي العام الذي يتطلب توافر العلم والإرادة. ويتوفر العلم عندما يعلم الجاني (بالوقائع) أي علمه اليقيني بأن الأموال التي يقوم بتقديمها أو جمعها ستستخدم كليا أو جزئيا في عمل إرهابي – ولو لم يقع العمل فعلا-. أما في ما يتعلق بالعلم بالقانون فهذا العلم مفترض ولا يعذر أحد بجهله بالقانون الجزائي.
الإرادة تعتبر العنصر الثاني المكمل للقصد الجنائي، وتتمثل في اتجاه إرادة الجاني لتحقيق عناصر الركن المادي للجريمة. والإرادة هنا يجب أن تكون حرة ومختارة، فإن كان الشخص مجبراً على تقديم المساعدة لشخص إرهابي فلا يسأل عن جريمة تمويل الإرهاب.
ويلاحظ أن المشرع العماني لم يتطلب قصدا خاصا لقيام الركن المعنوي المتمثل في تحقيق غاية معينة، كما لم يعتد بالباعث أو الدافع للتمويل، فيبقى الجاني تحت دائرة التجريم سواء كان الدافع شريفاً أو مذموماً.