الصَّحوة – وائل الوائلي
عندما يتصلُ الزَّمن بين الماضي والحاضر عبر جدران سورِ العقرِ بولاية نزوى، ينفتحُ أمامَنا كتابُ حياة يحكي عن أمجادِ الزَّمنِ القديم، ورونقِ التَّاريخ العريق. سورٌ يمتدٌّ من (صباح الصَّبخة) وصولًا إلى (برج حارة الزامة الغربي)؛ ليجسِّدَ لنا روعةَ المكان الممزوج بعبق الماضي التَّليد.
على ضفاف صباح الصَّبخة وقلعة نزوى الشَّهباء، انطلقت رحلةُ إعادةِ الرُّوح لذلك السُّور، حيث تمَّ تجديد الحياة لهذا السَّور العتيق البالغ طولُه نحو 2000 متر، ويحملُ على كتفيه 16 برجًا شاهدًا على مجدِ العصور السَّالفة. وبمبادرةٍ من شركة بوارق نزوى الدّولية التي أضفتْ جوهر الحياة إلى هذا المَعْلم، بالتَّعاون مع وكلاءِ السُّور، ليكونَ السُّورُ منارةً تاريخيَّةً ومقصدًا سياحيًّا ينعشُ الذَّاكرة، ويستمدُّ رونقَه من عبقِ الأمجادِ القديمة.
لقد اقتربت”الصّحوة” أكثر من رحلة إعادة الحياة للسور؛ ليبيِّن لنا سليمانُ بنُ محمَّد السّليماني، وكيل سور العقر، في حديثٍ خاصٍ لصحيفة “الصّحوة”، إنَّ زيارة السُّور، والتعرُّف عليه وعلى تاريخ بنائه، وجميع التَّفاصيل المتعلِّقة به، بحدِّ ذاتها من الأشياء التي تستحقُّ الزيارة. ومن جانبٍ آخر فإنَّ الموقع المميّز للسور ومروره بينَ جنباتِ المزارع والنَّخيل الباسقة، يجعلُ المشي خلالَه ممتعًا، وفي مكانٍ هادئٍ بعيدٍ عن صخب المدينة.
![](https://alsahwa.om/wp-content/uploads/2024/01/051-1-1024x994.jpg)
وأضاف أنَّ السُّورَ يتمتَّعُ بخدماتٍ متنوعةٍ لخدمة السَّائح، من خلال استثمار أرضٍ ملاصقةٍ للسور، وتمَّ تسميتها بـ(ميدان العقر)، وتنقسم إلى قسمين، الأول يحتوي على المشاريع التَّجارية التي توفِّر التَّغذية للسائح، أمَّا القسمُ الثاني، فهو للجانبِ الثقافي الذي يقدِّم للسائح نبذةً، وتعريفًا عن تاريخِ وثقافةِ حارة العقر بشكلٍ عام، وأئمة وسلاطين عُمان مع إدخالِ تقنيةِ الواقع الافتراضي له، ومجسِّم ثلاثي الأبعاد يجسدُ حارةَ العقر بالكامل بجميعِ تفاصيلها.
وقال السّليماني إنَّ سور العقر يعدُّ جزءًا من معالم حارة العقر التي تضمُّ الكثير من المعالمِ إلى جانبِ السّور الذي يعدُّ أهمَّ معلمٍ بها؛ لذلك فإنَّ مَن يزور سورَ العقر على وجه الخصوص، لا بدَّ له من المرور بجميعِ معالم حارة العقرِ، وهذا بحدِّ ذاتِه يسهم في الانتعاشِ السِّياحي للحارة، وينعكس إيجابًا على المشاريع المتنوعة التي تتضمَّنها حارةُ العقر وسوقُ نزوى بجميع مشاريعه بشكلٍّ عام، كما يتضمَّن السور على وجه الخصوص مشاريعَ لشبابٍ عمانيين مبدعين، إلى جانب إقامة العديدِ من المعارض الاستهلاكيَّة، وغيرها على مدار العام.
وكشف السّليماني في حديثه لـ”الصّحوة” أنَّه بعد افتتاح السُّور بشكلٍ رسمي في 8 يناير 2024 تضاعفَ عددُ زوّار حارة العقر، واستقطبَ السُّورُ بعدَ افتتاحه عددًا كبيرًا من الزوّار؛ ففي 10 يناير 2024 على سبيل المثال زار السُّور ما يصل إلى 3 آلاف زائرٍ، وفي إجازة ذكرى تولّي السُّلطانِ المعظَّمِ مقاليدَ الحكم في البلاد، زارَ السُّورَ ما يزيد عن 5 آلاف زائرٍ، وكذلك في اليوم التالي. أمَّا زوّارُ حارة العقر بشكلٍ عام؛ فقد وصلَ عددُهم يومي الخميس والجمعة (11 و12 يناير) إلى ما يزيد عن 20 ألف زائرٍ.
وفيما يخصُّ تكلفة إعادة تأهيل وترميم سور العقرِ، وما يرتبط به من مرافقَ أخرى، صرَّح سليمان السّليماني وكيلُ سورِ العقر لصحيفة “الصّحوة” أنَّ تكلفة المرحلة الأولى التي تمَّ افتتاحُها أمامَ زوّار السُّورِ، وصلت إلى 400 ألف ريالٍ عُماني. وأضافَ السّليماني أنَّه من المتوقّع أن تكونَ التَّكلفة الإجماليَّة نحو 2.5 مليون إلى 3 ملايين ريالٍ عُماني، وذلك نظير الأعمال المتبقِّية والجارية لترميم وإعادة الحياة للأجزاء المتبقّية بالكامل من السُّور وأبراجه المتوزِّعة على طور السُّور والبوابات، وإعادة بناء الأجزاء التي تدمَّرتْ بالكامل مع مرور السَّنوات.
![](https://alsahwa.om/wp-content/uploads/2024/01/052-2-742x1024.jpg)
وممّا يجدر ذكرُه أنَّ بناء السُّور يعود إلى عهد الإمام الصّلت بن مالك الخروصي (237هـ)، حينما جسَّد الحجر والتَّاريخ قصَّةَ العزِّ والمجد في ذلك الزَّمان. وتمَّ تجديد بناء السُّور في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي (1050هـ)، بعد بناءِ قلعة نزوى الشَّهباء.
وبعد نحو 1200 سنة، تُزهر حداثة الحاضرِ في سور العقر بولاية نزوى، بفضلِ رعاية شركة بوارق نزوى، حيث تمَّت إعادةُ تأهيل وتطوير السُّور وترميمه للمرة الثالثة في تاريخه، وعلى مدار 4 سنواتٍ من العمل الدَّؤوب الذي انطلق في يناير 2020.
وتميّزتْ مرحلةُ التَّرميم هذه المرَّة بلمساتٍ عصريّةٍ مستلهَمةٍ من روح التَّاريخ والمكان، ومرتبطةٍ بالحاضر وتطوراته، ما جعلَ السُّورَ يحتفظ بجاذبيّته التَّاريخيَّة، ويستقطبُ الزوَّار برونقٍ حافلٍ بالقصص والأسرار.
![](https://alsahwa.om/wp-content/uploads/2024/01/053-768x1024.jpg)
هكذا، يظلُّ سورُ العقر يحفلُ برونق الأمجاد، وينير دروب الزَّمن؛ ليروي للأجيال قصّةَ تاريخ إنسانٍ ومكانٍ، وعبورها بينَ العصورِ بألوانها المتراقصة على وتيرةِ التّاريخ، وشاهدًا على الاهتمام المتواصل من الجيلِ الحديثِ بالحفاظ على مكتسباتِ الأجداد وإرثهم التّاريخي، والتمسُّك بها.