الصحوة – د.عزة القصابي
يطل علينا الشهر الفضيل للمرة الثانية ونحن نعيش الحظر الكوروني الذي يُفقدنا الكثير من أدبيات وطقوس وجماليات هذا الشهر الجليل، الذي ينتظره المسلمون في كل عام. ومن أهم الذكريات المقترِنة بهذا الشهر: الزيارات، والتآلف الاجتماعي بين الناس.
وهناك عادات وتقاليد نشأت مع رمضان في حلته الجديدة، تزامنت مع الحظر والإغلاق والعزل الكوروني والتباعد الجسدي الذي اعترى العالم أجمع؛ حتى أصبح لزامًا على الناس التعايش مع الواقع الافتراضي الجديد الذي حاصرنا به هذا الفيروس، بعد تحوُّله إلى واقع حتمي لا مناص منه.
نتج عن ذلك تباعد البشر زمانًا ومكانًا، وخوت الموائد الرمضانية من طقوسها المعتادة، لتتحول إلى موائد إلكترونية؛ يمكن أن تكون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو بواسطة برامج الزووم الافتراضية التي يتواصل الناس عبرها ويتحاورون فيها؛ باعتبارها وسيلة آمنة؛ تضمن عدم انتقال الوباء إليهم.
يتقوقع الأفراد حول الأجهزة الإلكترونية، وأصبح مشهدًا مألوفًا أن نرى أعضاء الأسرة الواحدة يعيشون عزلة إلكترونية متصلة بالتقنية. وفي البداية كانت العزلة الأولى بحكم الفرض القسري نتيجةَ تَفَشِّي الفيروس المرعب، أَمَّا العزلة الثانية؛ فجاءت نتيجة الفراغ الذي يعيشه الناس، لذا كانت التقنية ملاذهم الأمثل، على الرغم أنهم يعيشون تحت سقف واحد.
في زمن كورونا اعتاد الناس على أجواء العزلة والخوف من العدوى، واكتفوا بالتواصل مع ذواتهم، ومراقبة العالم الآخر عن بُعْدٍ! وأصبح مفهوم (عن بُعْدٍ) مفردة متداولة؛ هناك دراسة عن بُعْدٍ، وتَعَارُف عن بُعْدٍ، والعمل عن بُعْدٍ، وقضاء الكثير من المهام عن بُعْدٍ… وللمرة الثانية، أصبح التواصل عن بُعْدٍ في رمضان أمرًا حتميًّا؛ لمصلحة الجميع. لذلك لا ضير، إذا كان هناك كسر لأطر الطقوس الرمضانية المتوارثة؛ لتصبح من الماضي. وبات الجميع مقتنعين أن الجلوس والانعزال في المنزل، أمرٌ مفروغٌ منه، لا جدال فيه، لِدَرْءِ حدة الوباء، الذي يتفشى بسرعة الضوء، مثل انتشار النار في الهشيم!
فوانيس رمضان أصبحت تُضَاء عن بُعْدٍ، لتلغي شيئًا فشيئًا الصورة المترسخة في الذاكرة، التي احتوت على أحداث ووجوه وتواصُل أُسْرِي يصعب نسيانه. ويحلم اليوم الجميع بعودة رمضان بفوانيسه الرمضانية، ولكنهم لا يعلمون متى سيحدث ذلك؟ وهل سينتظرون رمضان القادم بدون فوانيس، أم ستكون هناك طقوس مستجدة، تعتمد على التعامل والتواصل عن بُعْدٍ؟
وهل إذا انتهت مراسم الحياة عن بُعْدٍ؛ ستعود الحياة إلى سابق عهدها؟ أم أن هناك عادات وتقاليد اجتماعية مستجدة، يمكن أن تؤطر المناسبات الدينية والاجتماعية، بعد تحوُّلها إلى ثوابت تلزم الناس بحتمية التعامل معها، واتخاذها أسلوبًا للحياة؟ وهل سيكون رمضان ما بعد كوفيد 19، هو نمط رمضان نفسه ما قبل 2020م؟!