الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي.
يحل بمشيئة الله تعالى، بعد بضعة أيام عيد الفطر السعيد، وهو العيد الثالث في زمن فيروس كورونا كوفيد ١٩، هذا الوباء والبلاء الذي نزل بالعالم ولم يكن لا على البال ولا على الخاطر ، فأنهك البلاد والعباد بما خلفه من آثار جسيمة وخاصة على حياة الناس، إذ أصاب الملايين من البشر، منهم من رزقهم الله نعمة الشفاء، ومنهم من قضى نحبه، فنسأل الله لهم الرحمة والمغفرة.
والغريب في الأمر أنه كلما توصل العلماء إلى لقاح يقضي عليه تمحور في سلالات شريرة وفتاكة أخرى ، فلله الأمر من قبل ومن بعد .
للمرة الثالثة، يحل العيد ولن تصدح مصليات الأعياد بالتكبير والتهليل، في مناسبة ينتظرها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، ولن تصطف وتتراصّ صفوف جموع المصلين بثيابهم الزاهية الناصعة البياض، كبياض قلوبهم النقية، بعد أن غسلها صيام شهر رمضان وقيامه وتلاوة القرآن من الدرن والآثام .
للمرة الثالثة يحل العيد، ولن يتمكن الأبناء ذكوراً وإناثاً من تقبيل رؤوس وجباه أمهاتهم وأبائهم خوفاً عليهم من هذا الفيروس الخطير الذي يتسلل خلسة وفي غمضة عين ، ولن يتمكن الآباء من احتضان أطفالهم وصغارهم ليشعروهم بفرح العيد ، فالعيد كما يقال فرحة وسرور وسعادة، وها هي بواعث كل ذلك تختفي .
عيد ثالث لن تمتد فيه الأيادي لتصافح عزيزاً علينا، أو ذا رحم لنا، أو جاراَ قريباً منّا، بل لن نتمكن من رؤيتهم والسلام عليهم، بداعي الحماية لهم ولنا من هذا الوباء المخادع .
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح شديد، هل اتعظ واعتبر البشر من هذه الجائحة التي أعيت الشعوب والدول بمؤسساتها وهياكلها الصحية وعلمائها ، إنّ الاجابة الحاضرة والمؤكدة، كلا، فلا عين ترى ولا أذن تسمع ولا عقل يرجع إلى صوابه، فيروس صغير لا يُرى بالعين المجردة شلّ حركة العالم وقطع أوصاله، لكنه قدر الله وقضاؤه ، فلنرجع البصر كرّات ومرّات، علّنا نبصر ونتفكر فيما يدور بنا ومن حولنا، فنستلهم من هذه الجائحة، حاجة العالم إلى الوئام والسلام والوحدة، والعودة إلى الله الرب الخالق .
ومما يُحمد في هذا البلد أنّ اللجنة العليا المكلفة بمتابعة آثار جائحة كورونا، قامت بما يجب أن تقوم به وفقاً لمعطيات الواقع المقدمة إليها من اللجان الفنية والمؤسسات المعنية، فأصابت في مواطن كثيرة، وللأسف لم توفق في مواطن أخرى .
ولم أكُ ناوياً مضايقة أحد ، سواء برأي ناقد، أو بطرحٍ قد يزعج،. خاصة ونحن على أبواب استقبال عيد الفطر السعيد ، لكنّ قلمي دائماً ما يسبق وينازع فكري، للصدح بكلمة الحق، رغم مرارتها لدى البعض، وهي أنّ وزارة الصحة لم توفق في توفير اللقاح المضاد للفيروس، رغم مكانة السلطنة الدولية، ورغم التصريحات التي سمعناها من أحدهم، إذ قال : إنّ التعاقد تمّ على خمسة ملايين جرعة، ثم في تصريح آخر أربعة ملايين جرعة، ثمّ تناقص العدد ليصبح أخيراً، بأنه سيتم تطعيم مليون ونصف شخص بنهاية شهر مايو، وها نحن الآن في شهر مايو ، وتخشى أن يكون القصد مايو من سنة قادمة، في الوقت الذي سارعت فبه دول عديدة للحصول على اللقاح ، وحصلت منه كميات وفيرة ، فقد وصل أعداد الذين أخذوا اللقاح في المملكة العربية السعودية مثلاً حوالي تسعة ملايين شخص، وفي دولة الإمارات تجاوزت الأعداد عشرة ملايين جرعة، وكذلك الحال في دول أخرى وصلت الاعداد إلى نسب كبيرة جداَ، وفي رأيي المتواضع فإنّ إدارة الأزمة لم تكن بحاجة إلى مؤتمرات وتصريحات صحفية، وللأسف هي أكثر ما ميزت هذه اللجنة، رغم اعترافنا بجميل صنعها في جوانب أخرى، بل كنا بحاجة إلى عمل مهني حاذق يتجاوز حجم وسرعة الأزمة ، وبالمختصر المفيد فإنّ اللقاح هو الوسيلة والتدبير الأنجع لمحاربة هذا الوباء البغيض، كما أجمعت عليه كل المنظمات والمؤسسات الصحية ومراكز البحوث الدولية.
رباه ، ونحن نستقبل عيد الفطر المبارك ، نستودعك أنفسنا وأهلينا وأحبتنا وأعمارنا وأعمالنا ، فارفع البلاء والوباء عنا ، واكشف هذه الغمة ، فإنك أنت العظيم القادر على كل شيء الرحيم الرؤوف بعبادك، وقد وسعَت رحمتك كل شيء .
ونسأل الله تعالى صاحب العظمة والمنة، أن يجعل هذا العيد عيداً سعيداً ، وأن يعيده على الأمة العمانية وعلى رأسها جلالة السلطان الهيثم المعظم أعزه الله وأيّده، بالخير واليُمن والبركات، وعلى الأمة الإسلامية بالأمن والأمان والاستقرار .
وكل عام والجميع بخير .