الصحوة – ترياء البنا
يعد حصن بركاء من المعالم الرئيسية على ساحل الباطنة، ويبعد بضعة مئات من الأمتار عن شاطئ خليج عُمان، ويأخذ شكلا ثماني الزوايا، وفي مؤخرته برجا مراقبة أعيد ترميمهما، وقد كانا يوماً ما يشكلان جزءاً من سور المدينة الدفاعي.
يقع الحصن التاريخي على الشريط الساحلي لولاية بركاء، ويحيط به السوق القديم وسوق السمك وسوق الخضروات التابع للولاية، وقد بني قبل ثلاثمائة وخمسين سنة تقريباً، على مرحلتين، المرحلة الأولى في عهد الإمام سيف بن سلطان اليعربي، واستكمل بناؤه في عهد الإمام حمد بن سعيد بن أحمد بن سعيد البوسعيدي، حيث تم تغيير الواجهة الرئيسية للحصن بعد أن كانت البوابة متجهة نحو الجنوب لتتجه إلى الشمال، وأضيفت مساحة كبيرة لتتفق مع المساحة السابقة، وبني بداخلها مسجد للصلاة، وفي الناحية الجنوبية الغربية برج للمراقبة، ثم امتد البرج بجدار إلى الناحية الجنوبية الشرقية، وتم بناء برج آخر ليحمي تلك الناحية، حيث كان يوجد في السابق برج يطل على الناحية الشمالية الشرقية، وآخر يطل على الناحية الغربية.
وبهذا التوسع يكون الحصن قد استكمل بناؤه من الناحية الحربية والدفاعية، ليكون مقراً صالحاً للحكومة.
يعد حصن بركاء من الحصون المهمة، نظرا لموقعه الاستراتيجي في الولاية وكبر حجمه وارتفاعه الشامخ، وقد رمم الحصن عام 1985 من قبل وزارة التراث والثقافة.
وقد شهد هذا الحصن المنيع حدثا تاربخيا، يشكل صفحة هامة من التاريخ العُماني، مذبحة الفرس عام 1728، في فترة الإمام سيف بن سلطان بتخطيط السيد أحمد بن سعيد البوسعيدي إذ إن الأخير كان والياً على صُحار قبل أن تتم مبايعته بالإمامة، وكانت صُحار وساحل الباطنة ومسقط تحت الاحتلال الفارسي، وبعد مناوشات كبيرة بين العمانيين والفرس خصوصاً في صحار من قبل جنود السيد أحمد، انسحب الفرس من كامل أراضي صُحار وبركاء إلا أن مسقط ظلت تحت الاحتلال، فعين السيد أحمد خلفان بن محمد البوسعيدي والياً على بركاء، وأنشأ فيها ميناءً وعمل على تحويل كل الخطوط البحرية والتجارية إلى ميناء بركاء لتشديد الخناق على الفرس في مسقط، فما كان من الفرس إلا أن قرروا الانسحاب من مسقط، لكن قبل ذلك لابد لهم من زرع الفتنة لتضمن لهم العودة مستقبلاً، لكن السيد أحمد فطن لتلك الخطة، فقرر الرد على تلك الخطة بالحيلة،فأقام للفرس احتفالاً قبل رحيلهم من مسقط في حصن بركاء انتهى بمذبحة، وهرب الباقون منهم بحراً ليمروا بفخ آخر في منطقة السوادي، بالقرب من الجبال إذ أشعلت السفن بالنيران، لتنتهي حقبة الاحتلال الفارسي.
ويتميز الحصن بهندسته المعمارية الفريدة، بالإضافة إلى بنيته الضخمة والصلبة وأبراجه المصممة خصيصًا لأغراض دفاعية أثناء المعارك، كما يتميز أيضا بفخامة معمارية ترتكز على جمالية شكله البسيط.
ويتم دخول الحصن عبر بوابة خشبية ثقيلة منقوشة بطريقة تقليدية حسب الطراز العماني القديم وصولًا إلى ممر الحراس (الصباح) الذي يؤدي من خلال رواق ثان محروس إلى الفناء المفتوح المرتفع، ويلاحظ في الجدران التي تعتلي الفناء عدد من النوافذ الخشبية المنقوشة بطريقة رائعة تمت صناعتها وتركيبها بكل عناية.
يتكون حصن بركاء من الأبراج الدفاعية وحجرات الحراس ومخازن الذخيرة الحربية، كذلك يضم مسجدًا وتجهيزات معيشية بما في ذلك أربع آبار داخلية مع مناطق إدارية وسكنية.
وفي الطابق الأول نجد المجلس وهو عبارة عن قاعة استقبال فسيحة كان الناس ينتظرون فيها لمقابلة القاضي أو الإمام في القاعات المحاذية.
والمجلس عبارة عن قاعة جميلة مجهزة بشكل جيد طبقًا للطراز التقليدي.
ومن خلال تغطيتها ووضعها ضمن أقواس طويلة فإن النوافذ الضخمة المحصنة في هذه القاعة تمتد من الأرضية إلى ما يزيد عن منتصف المسافة بينها وبين السقف، وكذلك يضم الحصن جناح الإمام الذي يتكون من غرفة طعام وغرفتين متصلتين وإن كانت إحداها تستخدم كغرفة نوم والأخرى للاستقبال وكذلك لقراءة القرآن الكريم، وتطل الغرف الإدارية وغرف الاستقبال على الفناء في حين أن الوحدات السكنية في الجانب الآخر من القاعة تقع قبالة البحر وتشرف على الشاطئ.
والمدافع الموجودة بالحصن حاليًا إما أصلية أو نسخة مطابقة، حيث تم العثور على بعضها في الموقع وعلى البعض الآخر مدفونا قريبا من موقع الحصن في الرمال، في حين تم إحضار عدد منها من الحصون أو القلاع الأخرى في الباطنة.
وتوجد في المدخل الرئيسي للبرج نسختان مطابقتان لمدفع قديم يبلغ طوله 7 أقدام ووزنه 14طنا، أما البرج الثاني المطل على اليابسة فهو برج مدفعي صغير نسبيا يوجد عليه مدفعان وزناهما 12 طنا يعودان إلى أواخر القرن الثامن عشر…