الصحوة – عمر المعني
استحوذت الثقافة التنظيمية في السنوات الأخيرة اهتمام الباحثين والدارسين في مجالات الإدارة كلّها، وذلك لما له من أهمية كبيرة في التأثير في سلوك العاملين ومن ثم في أداء المنظمة. والمنظمات تختلف عن بعضها من حيث السمات الجوهرية التي تحكم طريقة العمل وأنماط الاتصالات وأسلوب الإدارة في الإشراف، ومع مرور الزمن تتكون لكل منظمة هوية خاصة بها تختلف عن غيرها، فوجود هوية تنظيمية متميزة للمنظمة يسهم بترسيخ أسلوب تفكير موحد لأعضائها ويساعد على وضع أسس مشتركة لاتخاذ القرارات، إذ تحتاج كل منظمة إلى أن تكون لها شخصية متميزة عن غيرها من المنظمات المتشابهة معها في طبيعة عملها، كما أنها تحتاج إلى أن تحدد موقعها بين المنظمات الأخرى مما يمكنها من التفاعل معها بشكل أفضل. يدرك مديرو المنظمات أن للهوية التنظيمية تأثيراً في سلوك العاملين وفي ممارساتهم التي ينبغي أن تنسجم والمعتقدات التنظيمية السائدة المتعلقة بالسمات الجوهرية للمنظمة التي تتصف بالاستمرارية. ولا تقتصر مخرجات المنظمة سواء كانت صناعية أم خدمية على منتجاتها فقط بل تشمل كذلك عدداً من المكونات الاجتماعية كالأعراف والأدوار والهوية، مما يساعد على تحقيق أهدافها.
في ظل التقدم الواسع الذي يشهده العالم في مختلف المجالات، وفي ظل العولمة وتطور المؤسسات في عملها ومحاولتها للوصول إلى أقصى استفادة من موظفيها من خلال غرس العديد من القيم والمبادئ الخاصة بروح المؤسسة والتي في الواقع هي تمثل هوية هذه المؤسسات، وذلك من خلال الثقافة التنظيمية لهذه المؤسسات والتي بالطبع هي تختلف من مؤسسة إلى أخرى حسب التوجه والغاية، فالثقافة التنظيمية على سبيل المثال في المؤسسة الإعلامية تختلف عنها في المؤسسة التربوية أو التعليمية، وتوفر هذه الثقافة التنظيمية البيئة الداخلية التي توفر لها الإستمرار في خضم الظروف الراهنة والغير مستقرة، فتأتي هذه الثقافة لخلق الفاعلية التي تظمن سير عمل المؤسسة بالشكل المطلوب داخليا وخارجيا. ولكي تحافظ أي مؤسسة على كيانها، لابد من بناء ثقافة تنظيمية متجذرة في عمق المؤسسة لكي توفر لها الإستقرار والثبات في وجه التقدم والتغيرات التي نشاهدها في وقتنا الحاضر، ومن اجل الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة من الثقافة التنظيمية للمؤسسات لابد ان تعكس هذه الثقافة رؤية ورسالة المؤسسة وقيمها، فليس من الممكن أن تكون هذه العناصر بعيدة عن الثقافة التنظيمية للمؤسسة، لأن كل منهما مكمل للآخر، وترتبط الثقافة التنظيمية للمؤسسات بعمل الإدارة العليا، فيجب ان تترجم الإدارة في المؤسسة هذه الثقافة من خلال عدة مآخذ وأهمها تعزيز الإبداع والإبتكار للعاملين في المؤسسة فبطبيعة الحال العمل الإعلامي يحتاج إلى الإبداع والتجديد، منح الموظفين في المؤسسة حريتهم في التفكير واتخاذ القرارات فيما يتعلق بنطاق أعمالهم.
إن الإستثمار الفعال في العنصر البشري في المؤسسة، و توافق رؤية واستراتيجية الممارسات الإدارية فيها يعد من العناصر المهمة في حماية الثقافة التنظيمية للمؤسسة، وحث العاملين فيها على الإبداع والتميز للإستفادة المثلى من قدراتهم من خلال رفع الروح المعنوية وتوفير اجواء المنافسة وبث روح الفريق وتشجيعهم على العمل الجماعي، يعزز ذلك في نهاية المطاف الرغبة في التعلم والتطور الوظيفي، ويلعب أداء المؤسسة دورا حاسما في حماية ثقافتها التنظيمية، وذلك من خلال تطور هذا الأداء أو ركوده مما يؤدي إلى تزعزعها وانهيارها ربما. فنجاح المؤسسة يكمن في توافق أهداف العاملين في المؤسسة مع الأهداف النهائية التي تصبو إليها، ومن هنا وجب على المؤسسات ان تنتبه على سياسة التوظيف التي تمارسها وان تحرص على اختيار الأفراد ذوي الخبرة والمهنية في العمل، والسعي إلى تطوير مهاراتهم وتأهيلهم من أجل تجنب الوقوع في الصدمات الثقافية الناتجة مع التفاعل مع الثقافة التنظيمية للمؤسسة. فلا يمكن نكران التأثير الكبير الذي تفرزه الثقافة التنظيمية للمؤسسة والأفراد العاملين بها، فتوافق المعتقدات والمبادئ المشتركة للعاملين تسهل من عملية الإتصال بينهم، مما يؤدي إلى إنتاج مستوى متقدم من التعاون والإلتزام وتسهل من عملية اتخاذ القرارات، فالعلاقة طردية بين الأثر الإيجابي الذي تنتجه هذه الثقافة التنظيمية وودرجة الفاعلية، فكلما كان أثر الثقافة كبير كلما كانت الفاعلية الوظيفية كبيرة والعكس صحيح.
جدير بالذكر ان القيم المعلنة من قبل المؤسسة تمثل أهمية بالغة في بناء الثقافة التنظيمية، ولكن تبقى الممارسات التي تقوم بها الإدارات العليا في المؤسسات الإعلامية هي الإختبار الحقيقي للثقافة التنظيمية السائدة في المؤسسة، ففي الواقع تعكس الثقافة التنظيمية للمؤسسة ثقافة المؤسسين، ومن هنا نستطيع القول بأن المؤسسين والإدارات العليا هي من تضع اللبنة الأساسية في بناء الثقافة التنظيمية للمؤسسة، فقد تقوم هذه الإدارات بالمناشدة والتغني ببعض الشعارات وتتبنى العديد من القيم كالإنجاز والشفافية والسبق والمشاركة في اتخاذ القرارات، ويتضح ذلك جليا في العديد من المؤسسات الإعلامية العربية، ولكن الممارسات تتضح بأنها عكس ذلك تماما ممايؤدي ذلك إلى ضعف ولاء العاملين وانتمائهم للمؤسسة، ونستخلص بذلك بأن الممارسات الإيجابية والسلبية التي تقوم بها المؤسسات هي من يكون الثقافة التنظيمية للمؤسسة، وليس الشعارات والمناشدات التي لا تطبق، وعليه تعد الثقافة التنظيمية للمؤسسات بعدا مهما لأي مؤسسة تهدف إلى التميز من أجل تحقيق التفوق، فالمنظمة الناجحة هي من تمتلك الثقافة القوية والتي تساعدها من المضي نحوالتميز.
وفي سياق متصل، نستطيع القول مما سبق، كل منظمة تتبنى ثقافة ما تميزها عن غيرها من المنظمات، و أن نجاح المنظمة رهن على الثقافة القوية التي تقوم ببناءها واكتسابها، والثقافة الإيجابية هي من تدفع العاملين في المؤسسة إلى التفتيش عن ماهو أفضل من أجل تحقيق التكامل الداخلي والتأقلم الخارجي مع الوسط المحيط، وهذا لا يحدث إن لم تقوم المؤسسة أو المنظمة بنشر ثقافتها وقيمها بين العاملين فيها بصورة واسعة، وحثهم والوقوف معهم على فهمهما من اجل تحقيق الأهداف المرسومة من قبل المنظمة.