الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
أطلّت علينا وسائل الإعلام المختلفة ، تبشّر وتهلّل بصدور قرار من معالي الدكتور وزير العمل ، بشأن لزوم توقيع الشخص المعين في وظيفة عامة عقد عمل مع الجهة التي سيتعين فيها ، وقد أثار هذا القرار ردود أفعال غاضبة ومستهجنة ترفض فكرته من الأساس ، كما أدلى بعض الإخوة القانونيين بدلوهم مبدين آراءهم حوله .
ولأنّ الموضوع – محل البحث – ذو شأن عام ، استوجب علينا توضيح ما يبدو أنه قد غمض على المسؤولين في وزارة العمل وفاتهم دراسته قبل إصدار هذا القرار .
في هذا المقال الذي أرجو من خلاله ، أن أضع النقاط على الحروف ، وأن أكشف السوءة القانونية التي لم يلتفت إليها المسؤول عن هذا القرار ، قاصداً الدفع الشديد لتحفيزه لمراجعة القرار السالف الذكر .
والمتتبع للتطور التاريخي للفقه أو للقضاء الاداري ، بشأن تكييف العلاقة التي تربط الموظف العام بالدولة أو بالإدارة ، يرى بأنهما – الفقه والقضاء – قد ذهبا إلى القول بأنها علاقة تعاقدية ، إلا أنّ هذا التكييف لم يلق القبول وتعرض للنقد وبرزت عيوبه ؛ الأمر الذي دفع بالرأي الحديث للظهور الذي يكيّف علاقة الموظف العام ، ويؤطرها في علاقة تحكمها القوانين واللوائح ، أي أنها علاقة تنظيمية وليست عقْدية ” تعاقدية” .
وإذا رجعنا للتكييف التعاقدي نجده قد مرّ بمرحلتين ، الأولى ، حيث ذهب كلٌّ من الفقه والقضاء الإداري للقول بأنّ ؛ العلاقة العقْدية “التعاقدية” التي يحكمها القانون المدني ، تستند إلى نوعين من العقود ، هما عقد الوكالة وعقد العمل ، إلا أن هذا الرأي تعرض للنقد بسبب العوار الذي لازمه ، على اعتبار أنّ عقود القانون الخاص تقوم بمجرد تحقق الإيجاب والقبول ، أما علاقة الموظف العام بجهة الإدارة فإنها تقوم بمجرد صدور قرار التعيين من جهتها ، ولا يتوقف على قبول الموظف للتعيين ، ثم إنّ من المباديء القانونية التي تحكم العقد ، مبدأ شريعة المتعاقدين ، حيث لا يمكن إلغاء أو تعديل العقد إلا بموافقة الطرفين ، أما في مجال الوظيفة العامة فإنّ للإدارة وبإرادتها المنفردة حق تعديل الأنظمة الإدارية من دون موافقة الموظف .
حاول البعض من فقهاء القانون ، التلطيف من الرأي السابق واعتبروا العلاقة بين الموظف العام والدولة ، هي أيضاً عقد ، ولكنها عقد إداري مع ما تتمتع به جهة الإدارة من امتيازات في العقود الإدارية ، وكما في سابقه يظهر بوضوح خطل هذا الرأي وعدم صحته ، ذلك أنّ من أركان أي عقد ركن الإيجاب والقبول ، وهذا ما لم يتحقق في علاقة الموظف بالإدارة ، أضف إلى ذلك ذات الانتقادات الأخرى .
وأمام خطأ الرأي السابق ظهر الرأي الحديث ، القائل : “بتكييف علاقة الموظف العام بالإدارة علاقة ينظمها القانون واللوائح ، ولهذا فإنّ من حق الإدارة إلغاء وتعديل هذه القوانين واللوائح من دون موافقة الموظف أو حقه في الاعتراض أو التوقف عن العمل ؛ لأن المرافق العامة يجب أن تستمر في تقديم خدماتها للجمهور بانتظام واضطراد .
لقد ميز قانون الخدمة المدنية النافذ بين نوعين من الوظائف هما : الوظائف الدائمة ، والتي يتطلب شغلها صدور قرار إداري من جهة الادارة لشغلها ، والثانية الوظائف المؤقتة ، وهذه يمكن شغلها بعقود مؤقتة وأُلحقَ بها عقود الوافدين ، ومع أنّ هذه الوظائف المؤقتة ووظائف الوافدين يجوز شغلها بعقود مؤقتة ، إلا أنّ هؤلاء الموظفين يخضعون للقوانين واللوائح فيما لم يتم ذكره في تلك العقود .
وبرؤية متواضعة فإنّ لنا على قرار وزير العمل ملاحظتين أساسيتين : –
الأولى ، أنّ القرار الصادر عن الوزير ، مخالف لقانون الخدمة المدنية النافذ ، ممّا يجعل القرار باطلاً بطلاناً مطلقاً ، بل ربما يصل الأمر به إلى مرحلة الانعدام ، لاعتدائه على اختصاص المشرّع .
الثانية ، إنّ هذا القرار في مضمونه يعود بنا في تكييف علاقة الموظف العام بالإدارة إلى العصور القديمة ، وهذا في حد ذاته لن يكون لصالح الإدارة على الإطلاق لاختلاف الآثار التي تترتب على العقد والآثار التي تترتب على القرار الإداري .
من هنا أدعو إلى سحب هذا القرار فوراً ، فإن الرجوع إلى الحق أصوب وأسلم للجميع .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.