الصحوة – د. حمد بن ناصر السناوي
تذكر كتب التاريخ أن تاجر من الحجاز ذهب إلى الكوفة ليبيع ملابس النساء فباعها كلها وبقيت الخمر (جمع خمار) ذات اللون الأسود فخاف أن تكسد ، فاستعان بشاعر كان قد إعتزل الشعر الغناء ولزم المسجد فأنشد الشاعر:
قل للمليحة في الخمار الأسودِ..
ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبدِ..
إلى آخر القصيدة المعروفة إنتشر الخبر بين الناس أن الناسك قد هجر المسجد وعاد للشعر والغناء وتهافتت النساء على شراء الخمار الأسود بعد سماع تلك الأبيات و كان هذا أول أعلان تسويقي في تاريخ العرب، كما يقول المؤرخون.
ومع تطور الحياة ودخول التكنولوجيا مختلف المجالات أصبح المستهلك أكثر ذكاء وتنوعت طرق الإعلان لتناسب مختلف الأجيال والطبقات الاجتماعية، بدءً من إعلانات السجائر التي كانت تظهر صور الكاوبوي الأمريكي بعضلاته المفتولة وحبله الذي يصطاد به الخيول الجامحة في البراري وهو يدخن السجائر، والسيارات الفارهة التي تتسابق الحسناوات في الوقوف إلى جوارها وكأن الرسالة الضمنية هنا أن التدخين يجعلك بطلا مغوار، و السيارة الفارهة تجعلك محط إعجاب الحسناوات، هذه الإعلانات وغيرها أنشأت (ربما بوجود عوامل أخرى) جيلاً من المدخنين الذين لم ينالهم من التدخين غير السرطان والموت المبكر (والأعمار بيد الله وحده).
في عصرنا الحديث لم تعد تلك الأساليب البسيطة في الترويج تنطلي على الجميع، حيث يشير علماء النفس أن الأشخاص الاذكياء يصعب استمالتهم بالطرق المباشرة لشراء منتج ما، لذلك نجد الشركات تدخل منتجاتها ضمن أحداث الأفلام مثلا، فالبطل تارة يقود سيارة من ماركه معينه يستطيع بها القيام بالمناورات المختلفه، وبطل آخر يستخدم لابتوب من ماركة محدده لإنجاز مهامه والتفوق على منافسيه و كأن الرسائل الضمنية هنا أن تلك السيارة وذلك الابتوب من أساسيات النجاح ، ليس هذا فقط ، حتى العطورات يدعي مصمموها أنها “تمنح الثقه” و “من أساسيات الرجل العصري الناجح” ، و تجذب أنظار النساء حتى أن بعض دور العطورات تدعي إضافة مواد خاصة تجذب الطرف الآخر جنسيا تشبه تلك المواد التي تفرزها الحيوانات في موسم التزاوج و لست أدري إن كان هذا النوع من الدعاية ناجحا امً منفرًا.
وفي عصر العوالم الافتراضية برعة تطبيقات الهادف الذكي في التسويق الذي والذي يدرس سلوك الفرد أثناء تصفحه لمواقع الإنترنت عبر خوارزميات يمكنها تحليل سلوك الفرد في العالم الافتراضي ومن ثم إرسال إعلانات مصممه لإثارة إنتباهه، مما أن التكرار في عرض الإعلان يشد انتباه المتصفح ويولد لديه فضول لاكتشاف السلعه التي يتم الترويج لها واقتنائها، وفي العصر الحالي ظهرت مجموعة من الأشخاص يطلق عليهم مصطلح المؤثر الاجتماعي يقوم بالتسويق للبضائع المختلفة والترويج لمن يدفع أكثر حتى أصبحت هذه مهنة جديدة يتفرغ لها البعض ويستثمر فيها وقته وطاقته، لم يتوقف الأمر الى هذا الحد بل أصبحنا جميعًا مروجون، نحتسي القهوه في مكان مميز فنقوم بالتصوير ونشر تلك الصور في حساباتنا على مواقع التواصل فيثير ذلك فضول بعض متابعينا فيقومون بتجربة ذلك المقهى، وهكذا تستمر سلسلة الإعلانات ختامًا، لابد من تعلم ضبط النفس قبل الانغماس في تلك الإعلانات التي تضيع الوقت والنقود أحيانًا.