الصحوة – المهندس أحمد بن إبراهيم النقبي
يحق لكل إنسان الاستعانة بمن يرتئيه لرعاية شؤون أملاكه الخاصة لا ينازعه في ذلك أحد فذلك حق أصيل له لا شأن لِأَيّ كان محاسبته عليه ولا حتى نقده فذلك ماله وملكيته الخاصة يفعل فيهما ما شاء ونتيجة اختياراته صائبة كانت أما خاطئة مردودها عليه وحده.
في المقابل هكذا تصرف لا ينبغي أن يكون حقاً لمن أوكل له مسؤولية الاختيار في المؤسسات العامة والشركات التي لا يكون هو مالكها، فهناك أسس وضوابط ينبغي أن تفعّل ورقابة ومحاسبة إن لم تكن ذاتية نابعة من النفس فينبغي أن تكون ملزمة بالإجراءات والسياسات لضمان حقوق الناس أولاً ولمصلحة هذه المؤسسات ولتجويد أدائها.
ما يدور في الكثير من بيئات العمل وما يلامس هو أن تلك الضوابط التي تكفل العدالة والنزاهة في الاختيار ما هي إلا شعارات براقة يروج لها بينما الواقع يجافي ذلك فالإجراءات شكلية تصل للهزلية أحياناً فنجد بأن جل المناصب والمهام توكل بناء على تفضيلات فردية أو شللية بعيدة عن العدالة وكأن صاحب القرار فيها يتصرف فيها كملكية خاصة يستبعد من شاء ويقرب من يشاء دون مساءلة ومحاسبة من الجهات التي تتبعها تلك المؤسسة أو الشركة مما يتسبب بالكثير من الظلم وفقدان الثقة الذي يسود الشعور به في بيئة عمل تلك المؤسسات وإن لم يصرّح به الكثير لأسباب شتى والذي لا تكون عاقبته خيرا لا على الإنتاجية ولا على الأداء ناهيك عما يترتب عليه من بخس لحقوق الناس خاصة ممن جد واجتهد وأخلص وبذل في العمل ليصل إلى ما وصل إليه من نجاح له ولمؤسسته. كما تسهم تلك الأمور في تكريس مفهوم الشللية وإشاعة فكر المصالح الذاتية على المنافع العامة ونزعة تصفية الحسابات عند تغير القيادات وكلها أمور ليست محمودة العواقب وضررها بالغ على تلك المؤسسات وأفرادها بل المجتمع ككل.
لذا وجب علينا ان لا نخشى التناصح فيما بيننا خوفاً من ردة فعل من لا يتفهم من أمثال هؤلاء بل علينا أن نأخذ بأيديهم لكي لا يلبسوا أعمالهم بظلم ولكي لا نكون بسكوتنا شركاء لهم في ذلك.
فإنهم وإن أمنوا المحاسبة والمساءلة فقد تدور الدائرة عليهم يوماً وإن غفلوا عن ذلك أو تغافلوا فهناك من لا يغفل ولا ينام، فحينها لن ينفعهم ملام ولا اعتذار.
لذلك على كل من كان على رأس هرم الهيئات والمؤسسات العامة أن يولوا أمر ما يدور فيها جل عنايتهم فجهلهم أو عدم اكتراثهم بالكثير مما يتم في تلك المؤسسات وإن كان بدعوى التمكين لمن هم دونهم في المسؤولية لا يعفيهم من التحقق من نزاهة الإجراءات التي يقومون بها ومراقبة أدائهم ومحاسبتهم إن لزم الأمر على تجاوزاتهم إن ثبتت وإن أهملوا ذلك، كانوا شركاء لهم في الأمر.
ونصيحة لمن أوكل لهم أمور العباد بأن يستشعروا هذه الأمانة التي حملوها ويراعوا أداءها بحقها وأن ظلمهم لغيرهم ما هو إلا ظلم لأنفسهم سيذوقون مرارته يوماً ما عاجلاً أم آجلاً وكما قيل:
“أما والله إن الظلم شؤمٌ
ولا زال المسيء هو الظلوم
إلى الديان يوم الدين نمضي
وعند الله تجتمع الخصوم”
وقد يظن البعض أن ما يزرعه في هذه الدنيا يجنيه فيها، وأنه إن كان ممكَّنًا فيها فهو في مأمن من مكر الله تعالى، فالله -سبحانه وتعالى- يمهل ولا يهمل ولا يظلم رَبَكَ أحدا، فمن زرع خير حصده، ومن زرع شر فلا يلومنّ إلا نفسه.