الصحوة – م. أحمد بن إبراهيم النقبي
تُجمِع تعريفات المسئولية الاجتماعية للشركات على أنها التصرف على نحو مسؤول اجتماعياً ليس فقط أمام اَلْمُلَّاك أو المؤسسات الحكومية بل أمام جميع أصحاب المصلحة الأخرى بمن فيهم الموظفون والعملاء والشركاء والمجتمعات المحلية على نحو تطوعي يعتمد على المبادرات الحسنة من الشركات دون الحاجة لوجود إجراءات ملزمة قانوناً.
لذلك تقوم هذه الشركات بإصدار ونشر التقارير الدورية للمسئولية الاجتماعية وتقارير الاستدامة كأداة لطمأنة أصحاب المصلحة عبر إظهار كل ما تقوم به من عمليات متضمنة السياسات وإجراءات القياس والمؤشرات الرئيسة للأداء والأهداف في المجالات وبشفافية تامة. وينظر إلى المسئولية الاجتماعية على أنها عامل هام لتحقيق التنمية المجتمعية المستدامة وتعد إحدى أساسيات وأركان تحقيق السمعة الطيبة بل والعائد الاقتصادي للشركات لذلك تعتبر من استراتيجيات الإدارة الحديثة.
كثيرا من قادة وأصحاب الشركات ذوي الوعي والمتمتعين بحس المسؤولية يرغبون في المشاركة الاجتماعية، وينظرون إلى العملية الاقتصادية على أنها نشاط اجتماعي ووطني وإنساني لا بد منه، يهدف إلى التنمية والمشاركة في منظومتها الشاملة، وليس عمليات تجارية واقتصادية بحتة معزولة عن أهداف المجتمعات والدول وتطلعاتها التكاملية.
وقد أولت العديد من الشركات المحلية- أسوة بالشركات العالمية- الاهتمام بتقييم الآثار المترتبة على أنشطتها وعملياتها على العاملين بها ومستوى رفاهيتهم، وعلى المجتمع المحلي والبيئة المحيطة بها، اقتناعا منها بأهمية ذلك ومردوده على نشاطها واستثماراتها وأرباحها ونموها واستدامتها.
ومع زيادة درجة الوعي بالأثر السلبي للنشاط الاقتصادي عموماً والصناعي على وجه الخصوص على البيئة، والدور الهام الذي تلعبه وسائل الاتصال والتواصل الحديثة في زيادة الوعي وتسليط الضوء بشكل أكبر على هذه الآثار بات الأمر أكثر أهميةً وإلحاحا.
فنجاح قيام الشركات بدورها في المسئولية الاجتماعية يستمد من الالتزام والتركيز على عدة مجالات أهمها:
– الاحترام والمسئولية تجاه العاملين وأفراد المجتمع.
– تقديم الدعم للمجتمع عبر مساندة أنشطته ومشاريعه التنموية.
– حماية البيئة سواءً من حيث الالتزام بتوافق عمليات الشركة والتزامها بالاشتراطات والمعايير البيئية، أو تنفيذ وتقديم ما يخدم ويحسن من الظروف البيئية في المجتمع ويعالج المشاكل ذات الصلة.
توضح الكثير من الدراسات بأن العديد من الرؤساء التنفيذيين وكبار القادة التنفيذيين يقرون بأن المسؤولية الاجتماعية للشركات أمر حتمي وضروري وفي المقابل أظهرت نفس الدراسات بأن معظم المديرين المتوسطين لم يروا ذلك بل تبين أن لديهم دافعًا واهتمامًا أقل نحوها، حيث يشعرون بأنها تشكل ثقلاً وكلفة قد لا يجدونها متوافقة مع أهدافهم المالية.
لذلك يعد من أهم التحديات وأولها قلّة الاهتمام المباشر للقيادات العليا كالرؤساء التنفيذيين ومن في حكمهم بالمسؤولية الاجتماعية وتخليهم وابتعادهم عن وضع الإستراتيجيات الخاصة بها وعدم القيام بالإشراف المباشر عليها وإيعاز ذلك الأمر إلى من هم دونهم فيضعف الاهتمام بها ويقل أثرها مما قد يشكل تهديدا كبيرا على مستقبلها.
حيث يتمثل التحدي الرئيس في عدم الفهم لأهميتها خصوصاً من جانب القيادات الوسطى وفي اعتبارها والنظر إليها ككلفة وليست استثماراً وكذلك ضعف القدرة على التعامل الذي قد يكون سببه محدودية الصلاحيات الممنوحة أو ضيق الأفق لديهم والذي ينحصر في التدقيق على الأعمال اليومية وتقليل المصاريف عوضا عن الرؤية المستقبلية والسعي نحو الارتقاء بالمبادرات والتشجيع والتمكين لفريق العمل. ففريق العمل سيحتاج لإقناع هذه الفئة للدخول في طريقة تفكيرهم ونماذجهم فمن المرجح أن يقتنع الموظفون في الوظائف الإدارية، وخاصة أولئك الذين لديهم خلفية مالية قوية أو تعليم تجاري، بالمشاركة إذا كان من الممكن تحديد المسؤولية الاجتماعية للشركات ويمكن تقديم دراسة عمل قوية.
في المقابل، فإن الحجج حول السمعة والتأثيرات طويلة المدى على الموظفين أو المستهلكين المستقبليين يتردد صداها أقوى عند التعامل مع التسويق وعلاقات المستثمرين والموارد البشرية. بينما تجد بأن الموظفين في العمليات والصيانة أكثر تحفيزًا عند تقديم المسؤولية الاجتماعية للشركات على أنها الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله، بغض النظر عن كيفية تعزيزها للأرباح. فبالتالي نجد بأن الرؤساء التنفيذيين لديهم فرصة أكبر لإحداث التأثير عوضا عن من هم دونهم.
ختام القول، أن تنزيل مستوى الإشراف أو المشاركة في لجان ومجالس إدارات المسؤولية الاجتماعية قد يشكل التحدي الأكبر أمام نجاحها وتقدمها وتطورها للأسباب السالف ذكرها. فوجود الرؤساء التنفيذيين ومن في حكمهم على رأس الهرم في دوائر المسؤولية الاجتماعية ومجالس إدارة مؤسساتها التنموية هو العامل الأهم لنجاح تلك الدوائر والمؤسسات وتقدمها لما يملكونه من بعد نظر ورؤية سليمة وصلاحيات شاملة وأفق أوسع ومقدرة أكبر على اتخاذ القرار وبما يتوفر لهم من مساندة ودعم من كافة الدوائر والأقسام الأخرى بالشركة. حيث يتطلب تحقيق النجاح لبرامج ومشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات اليوم جهدًا جَمَاعِيًّا ومساهمة من كل أفراد المؤسسة