الصحوة – سمرة المسلمية
أيها القارىء الرائع تعد القدوة من المؤثرات القوية تربويا،الكثير من الأخلاقيات والسلوكيات في أبنائنا تأتت إليهم بفعل ما يرونها من أفعال فيتأسون بها تباعا .
التربية بالقدوة من المنهجيات قوية الأثر على الأبناء، فترى الطفل يصلي لأن الأم والأب يصلون وآخر يتحدث بصوت عال لأن بيئة المنزل يسودها نزاع وصراخ، طفل آخر يحب القراءة لأن كل من في البيت يقرؤون وقدوته تحب القراءة وآخر عدواني وعنيف لأنه يُضْرَبْ في المنزل.
شخصيا أرى الأصل أن يكون هناك توافق بين ما يريده الأبوين في أبنائهم من تربية وبين ما يترجمونه من أفعال أمامهم لا أن يقول ما لا يفعل.
وأشيد إلى كل من اتخذ فرصة تأثير القدوات ثم ترك العادات السيئة وكافح ليغير من صفاته حفاظا على أخلاقيات وسلوكيات الأبناء ، فهم وأنتم فعلا تستحقون ذلك.
أبو الأسود الدؤلي يقول:
لا تنه عن خلق وتأتي بمثله
عار عليك إن فعلت عظيم
قد يوجه الأب أبناءه إلى رعاية الأم بحب وحنان وثناء وهو في المقابل يعاملها بين أمر ونهي وتعليمات وتوجيهات فقط دون أية عواطف ومشاعر تجمعهم.
هنا يصعب على الأبناء اتباع الكلام فحسب مالم يرون الأفعال مترجمة فتلقاهم مستقبلا يتأسون من تعامل الأب فيكبرون هكذا فيم حتى مع زوجاتهم لاحقا!
هناك أحيان الأم توجه الأبناء بالكلام كعليكم أن تحدثوا الناس باللطف والإحسان والهدوء وفي المقابل هي ترفع صوتها على أقرب الناس وتؤذي الجيران بتصرفاتها ولسانها وأفعالها. كيف لهؤلاء الأبرياء أن يتبعوا قدوتهم بالإيجاب ما دامت تظهر السلب فعليا؟
هنا أيها الأحبة تحضرني قصة أبوين انفعاليين وشديدي الصراخ دائما، في أحد الأيام كسر الإبن الذي يبلغ من العمر ١١ سنة شيئا دون عمد فإذا بالأم كالمعتاد تنهل عليه بأشد أنواع العقاب والصراخ.
منذ حينها اتخذ الإبن قرارا باتباع الصمت الإختياري وصار لاينطق بحرف بينهما ولايتكلم بشيء إيمانا بأن لاجدوى من نقاش الأم ولا الأب إلا بالصراخ فلم يتحمل ذلك فلجأ إلى لغة الصمت إلى أن أُحيل إلى دكتور نفسي واستشاري تربوي لتعرض حالته باحثين عن حل لذلك الصمت الإختياري!.
أحدهم يخبرني أمنع أبنائي من الأجهزة ويقولوا :”ليش نحن لا وانتوا ٢٤ ساعة على الأجهزة”؟
هنا رسالة منهم يا سادة وهي دعونا نتأسى بما تقولونه و تفعلونه وليس بنا تقولونه فحسب.
يقول الله تعالى في سورة الصف: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ”
في كتاب مصطفى عاشور بعنوان التربية بالقدوة
يقول أن علماء النفس تابعوا تأثير القصص الإيجابية على الأطفال الأمريكيين من الفترة ١٨٠٠م – ١٨٥٠م ، لوحظ بعدها أن تلك القصص زادت بنسبة ٦٦٪ في فترة ١٨١٠م – ١٨٥٠م.
والأروع من ذلك أن براءات الاختراع زادت بسبعة أضعاف في فترة ١٨٥٠م-١٨٩٠م.
من هنا أقول أن النمذجة والتأسي بقدوات غير روتينية في التفكير والحرص على طرح نماذج مبتكرة غير تقليدية سواء في القصص أو كقدوات شخصية ،توسع آفاق ومدارك هؤلاء الصغار على ضرورة عدم التوقف أمام الصعاب وحب الابتكار والاختراع والاستكشاف.
القصص من الطرق التربوية الهادفة جدا في غرس قيم والتخلص من بعضها وما أجملها إن سُردت بأساليب تشويقية تؤثر في أذهان ومشاعر وسلوكيات من يستمع إليها!
اعزائي، قد يقول أحدهم، أنا تركت التدخين ولكن لازال إبني يدخن في مرحلة المراهقة وأخرى تقول أقرأ في البيت والسفر والعمل وفي أوقات الفراغ ولكن ابنائي ليسو مثلي .
هنا أيها القارىء الجميل أقول قد تظهر النتائج بعد سنوات وأن القدوات لها مؤثرات التي قد تبنى بها عادات أو تهدم أخرى منها :
-التفاتي والحرص في السلوك لأن ذلك يغرس الثقة وحب الإتباع في المتلقي
-الجذب والتشويق حتى ينجذب الآخر فيما تقوم به وينشد ويحب اتباعك
-التأني وعدم الاستعجال في النتائج
ختاما كن صبورا عزيز الإنسان في عمليتك التربوية ولا تستعجل بالنتائج لأن دورنا التربوي يكمن في التأسيس أما التغيير قد يأخذ فترات لحين ظهور الأثر بل وربما سنوات. تماما كالبذرة التي تسقى و تسمد ويعتنى بها ثم تأخذ أشهر وسنوات لحين الاثمار.