الصحوة – نُـور الهُـدى بنت حمد الشبيبية
في الآونة الأخيرة، أصبح الحديث عن العقوبات البديلة من الضرورات الملحة في السياسة الجنائية الحديثة، انطلاقاً من انخفاض القيمة العقابية للعقوبات السالبة للحرية (السجن)، حيث أن الأخيرة لا تحقق أغراض العقوبة من مكافحة الظاهرة الإجرامية، وتحقيق العدالة وإصلاح وتأهيل المحكوم عليه، فضلاً عن ذلك يشهد العالم الآن نقلة نوعية في كافة المجالات العلمية والاقتصادية والصناعية، ناهيكم عن زيادة عدد سكان العالم وبدوره زيادة عدد الجرائم المرتكبة، الأمر الذي يعني ارتفاع أعداد المساجين واختلاطهم بهم، والذي سينعكس سلباً على أخلاق المحكوم عليه وقابليته المرتفعة للعود، إضافة إلى الأثار النفسية التي ستخلفها الوصمة الاجتماعية في نفسية المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة ، وبالرجوع إلى الاحصائيات المعدة من قبل الادعاء العام حول عدد الجرائم المرتكبة في سلطنة عُمان لعام: (2021) تبين ارتفاع عدد الأخيرة ليصل إلى (28201) جريمة وبـلغ عدد المتهمين إلى (34873) مقارنة بعام: (2020) تم تسجيل عدد (23831) جريمة و (30069) مُتهماً.
عليه اتجهت التشريعات العقابية لإيجاد نظام عقابي بديل وفعال يحقق أغراض العقوبة سالفة الإشارة؛ فتمت الدعوة إلى الأخذ بنظام العقوبات البديلة وإدخالها ضمن سياسة العقاب للحيلولة من الأثار السلبية التي تخلفها العقوبات السالبة للحرية(السجن)، ولتحقيق الغرض الأساسي للعقوبة وهو تأهيل وإصلاح المحكوم عليه.
إن المقصود بالعقوبات البديلة هو اتخاذ عقوبات غير حبسية في مواجهة المحكوم عليه، وهي تأتي مساندة في سياق المنظومة الجنائية كما أنها متفقة مع أهداف السياسة الجنائية الحديثة، والتي أشار إليها الفقيه الألماني فويرباخ وهو “مواجهة السلوك الاجرامي في المجتمع من خلال مجموعة من الإجراءات والبدائل بحيث تكون مناسبة لمكان وزمان معين”، إضافة إلى ذلك النص على العقوبات البديلة يعزز من استعمال القاضي لمبدأ التفريد القضائي للعقوبة، والذي يمنح صلاحية أوسع للقاضي في اختيار العقاب الأنسب كماً ونوعاً على المحكوم عليه أخذاً بشخصية المتهم وظروف الجريمة.
ولما كانت عقوبة إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة من أبرز العقوبات البديلة التي يمكن للقاضي أن يوقعها على المحكوم عليه، وكانت تعرف على أنها: “إلزام المحكوم عليه برد الشيء إلى أصله أو جبره أو التعويض عنه” وفق القانون البحريني رقم: (18) لسنة (2014) بشأن العقوبات والتدابير البديلة، عليه بمجرد ثبوت الضرر وتحقق المسؤولية الجزائية لدى الجاني يستوجب بدوره إزالة الضرر الناتج من فعل الأخير عن طريق التعويض، وتتنوع طرق التعويض، كالتعويض العيني ويعنى به إزالة الأضرار المادية أو الأدبية الناتجة عن الفعل الجرمي، أو التعويض بمقابل والذي ينقسم إلى تعويض نقدي وغير نقدي، فيقصد بالأول جبر الضرر وإصلاحه من خلال دفع مبلغ نقدي للمجني عليه أما الثاني فهو ترضية للمضرور من خلال الحكم على المسؤول (الجاني) بأداء أمر معين ينصف المضرور ، وقد نص التشريع العراقي على هذا النوع من التعويض بأنه: “يقدر التعويض بالنقد على أنه يجوز للمحكمة تبعاً للظروف وبناءً على طلب المتضرر أن تأمر بإعادة الحال إلى ما كانت عليه أو أن تحكم بأداء أمر معين أو برد المثل في المثليات وذلك على سبيل التعويض”، كنشر قرار الحُكـم في الجريدة الرسمية على نفقة الجاني، والحكم بمصروفات الدعوى على الأخير في دعاوى القذف والسب.
باستقراء نصوص العقاب في التشريع العُماني يتبين بأنه لم يأخذ بالعقوبات البديلة، وإنما أورد بعض العقوبات البديلة ضمن العقوبات التبعية والتكميلية والتي لا يمكن الحكم بالأخيرة لوحدها وإنما تأتي مع العقوبة الأصلية، وبالنسبة لعقوبة إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة لم ينص عليها المشرع صراحة إلا أنه اعتبر التعويض وإعادة الحال إلى ما كان عليه سابقًا من قبيل الالتزامات المدنية، وأوجدت المادة (57) من قانون الجزاء العماني أنواعًا للعقوبات التبعية والتكميلية ولا يمكن الحكم بعقوبات خارج إطار هذه المادة.
وأخيراً لقد كشفت نتائج دراسات أجريت أن أغلب نزلاء السجن المفرج عنهم يقابلون بالاحتقار والعزلة المجتمعية، والأثر الأخطر ربما يكون في الازدياد الملحوظ في أعداد العائدين للجريمة، فقد أشارت إحدى الدراسات إلى ارتفاع نسبة العود للجريمة لدى نزلاء السجن، الأمر الذي يؤكد على عدم فاعلية عقوبات السجن في مواجهة الزحف المتنامي للجريمة، مما يستوجب تدخل تشريعي والنصّ على العقوبات البديلة بشكل صريح ومباشر، ومن بين هذه العقوبات البديلة إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة، والتي تتوافق مع رؤية عمان 2040 من خلال التوجه الاستراتيجي نحو: (منظومة تشريعية تشاركية، ونظام قضائي مستقل متخصص وناجز، ورقابة فاعلة وشفافة) ومن أبرز مظاهر تحقيق الهدف المنشود، العمل على تحديث المنظومة التشريعية الجزائية خاصة أن هذه العقوبة ملائمة مع البيئة العماني من خلال تطبيقها على المجرمين قليلي الخطورة الإجرامية، فضلاً عن دورها الإيجابي في استباب الأمن في المجتمع، ذلك كون التعويض يعد وسيلة لترضية المضرور، وهي عقوبة غير مكلفة للدولة، وتجنب المحكوم عليه من الوصمة الاجتماعية التي تخلفها العقوبة.