الصحوة – ظافر بن عبدالله الحارثي
من الأمور التي لا يقبل فيها النقاش أن الحفاظ على حياة الأفراد هو حفاظ على حياة المجتمع بأكمله، ولعل للنّفس البشرية الآمرة بالسوء دورا محوريا في سلوكيات الإنسان التي إن لم تقوّم بالطريقة السليمة فإنها تنحرف عن الصراط السوي المستقيم، ومن هذه الأفعال إزهاق روح إنسان بفعل إنسان آخر، وهو ما يعرف بجريمة القتل، والجدير بالإشارة أنها تعد من أقدم جرائم الإنسانية وأولها من حيث ارتكابها؛ وفي القرآن الكريم في سورة المائدة إشارة إلى ذلك؛ وإن قانون الجزاء العماني الصادر تحت المرسوم السلطاني رقم 7/2018 بطبيعة الحال تناول جرائم القتل تحت عنوان جرائم الاعتداء على الإنسان، وبالتحديد الواقعة على حياة الفرد، ومن طرقها القتل بالسم وهو محور دراستنا في هذه المقالة.
التسمم هو الاعتداء على حياة إنسان بتأثير مواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة عاجلا أو آجلا أيًا كان استعمال أو إعطاء هذه المواد ومهما كانت النتائج؛ والجدير بالذكر أن هناك تعريفات عديدة للسم كتبت من قبل فقهاء الفقه الجنائي، ولقد اختلف القانونيين في تحديد طبيعة القتل بالسم نظرا لوجود أنواع مختلفة منها تتمثل في العقارات والمواد الجافة والسوائل المختلفة، إلا أن المتفق عليه أن القتل بالسم هو فعلًا ينهي بإتيانه حياة إنسان، وذلك بالضرورة لا يعني بأن هناك مواد سامة تسبب نتائج اخرى كتسببها بالآلام المعدة، والتأثير بالجهاز العصبي، واضطراب الكلام وغيرها ولاشك بأن هذه النتائج هي أيضًا معاقب عليها، فالسم لها أنواع عديدة فضلًا عن أن تختلف مع هذا التنوع طرق وآليات إيصالها للمجني عليه.
وفقًا للقانون القتل بالسم هو من صور القتل العمدية، إلا أن المشرع العماني ذهب إلى ما ذهب إليه المشرع المصري وهو في تميز هذه الصورة من خلال جعلها ظرفا مشددا للجريمة لما ينطوي هذا الفعل من غدر وخيانة، ومن ذلك نفهم بأن القتل بالسم كجريمة لا تعتبر جريمة خاصة بل ظرفًا مشددا للعقوبة ما إن توافر في السلوك الإجرامي، وتنطوي محل الحماية الجزائية في جرائم القتل المصلحة المتمثلة في حماية حق الإنسان في الحياة من الاعتداء.
لقد تناول المشرع العماني جريمة القتل بالسم في فصل جرائم القتل العمد كأحد العناصر والظروف التي بتحققها تشدد العقوبة لجريمة القتل، حيث نص في المادة ٣٠٢ من القانون يعاقب بالإعدام إذا توافرت في واقعة القتل العمد إحدى الحالات الآتية… ومن بينها “إذا وقع القتل باستعمال التعذيب أو مادة سامة أو متفجرة”، وذلك على اعتبار أن استخدام مادة السم في القتل ينطوي على غدر وخيانة لأنه ذلك الفعل في الغالب لا يصدر إلا من أشخاص يخالطون المجني عليه، ولم يقوموا به إلا بعدما اطمئن إليهم بحيث لا يتوقع منهم الخيانة ولا يأخذ احتياطات.
تنطوي محل الحماية الجزائية في هذه الجريمة على حماية حياة الإنسان والمحافظة على حقه في الحياة، فجريمة القتل بشكلٍ عام تستهدف الإنسان الحي وعلى ذلك لا تقع الجريمة إلا إذا كان المجني عليه إنسان حيا وهذا ما أكدته المادة ٣٠١ من القانون؛ وقد اتفق فقهاء الفقه الجنائي على توافر ثلاثة شروط في محل جريمة القتل وهي:(أن يكون المجني عليه إنسان، أن يكون الفاعل في القتل إنسان، واختلاف المجني عليه عن الجاني)، وكما هو معلوم، يتكون الركن المادي من النشاط الاجرامي، والنتيجة الاجرامية، والعلاقة السببية بين النشاط والنتيجة، وفي جريمة القتل يتبين لي بعد قراءة النصوص وشروحاتها وكتب فقهاء القانون الجنائي أن لا يوجد هناك فرق كبير بين جريمة القتل بالسم وجريمة القتل العمد إلا في الإرادة والوسيلة المستخدمة فهي لا تختلف في أركانها بشكل عام عن جريمة القتل العمد، فالعبرة هنا في هذه الجريمة فقط استخدام مادة سامة ووضعها في متناول المجني عليه.
إن القتل يتطلب سلوكا ملموسا يرتب اثر ونتيجة فالنوايا المضمرة لا يعاقب عليها، إلا إذا خرجت إلى حيز الوجود، ويتحقق هذا من خلال النشاط الإجرامي المتمثل في إرادة الفعل المتجه نحو إزهاق روح المجني عليه؛ ويتمثل الركن المادي في جريمة القتل بالسم بالمظهر الخارجي للنشاط الإجرامي الذي عادةً ما يقترن بضرر ونية في إحداث هذا الضرر، إلا أن في جريمة القتل بالسم لا تتقيد هذه النية بحدود أي أن يدان الفاعل ولو لم يقصد قتل شخصًا معين أو تمادى نتيجة ازهاق الروح لشخص ثاني كأن يتناول شخص اسلم الَّذِي وضعه الجاني للمجني عليه فيموت هو أيضًا ، ولا عبرة كذلك بالخطأ في شخص المجني عليه، ولابد من الإشارة أيضًا أنه يتكون الركن المادي كذلك من (أ/ النشاط الإجرامي الإيجابي، و ب/ النشاط الإجرامي السلبي).
كما أن حسب القواعد العامة للإجراءات، يجب لمحكمة الموضوع أن توضح في تسبيب الحكم الصادر بالإدانة أركان الجريمة والوسيلة المستخدمة وهو السم في جريمة القتل بالسم دون الحاجة لذكر نوع السم او المادة السامة وكميتها، وفي المقابل لمسائلة الجاني يجب اثبات قصد القتل الذي يتوافر إن انصرفت إرادته إلى ازهاق الروح واحداث الوفاة.
بالإضافة لذلك إن ارتكاب جريمة القتل العمد بإستعمال السم ينطوي في الأغلب عليه توافر سبق الإصرار لدى الجاني، ويبدو ذلك الامر واضحا عندما نتحدث عن الاجراءات السابقة لإرتكاب الجريمة من شراء هذه المادة السامة واعدادها، وانتظار الوقت المناسب لحين وضعها في طعام أو شراب المجني عليه، فكل ذلك يتيح للجانب مساحة من التفكير الهادئ والتحضير.
إن قانون الجزاء العماني كباقي التشريعات الجزائية دأبت على حماية حياة الإنسان من الإعتداء من خلال تفريد باب يحتوي على كل الأفعال التي تمس حق الحياة لدى الأفراد، كما نص على الجرائم العمدية التي تتمثل في نشاط القتل بشكل عام، كما تناول الحالات والظروف التي بتوافرها تشدد العقوبة كحال استخدام مادة سامة، فعوقب بالسجن المطلق كل من قتل إنسانا عمدا، ويعد إنسانا لتطبيق أحكام القانون “كل مولود نزل حيا من بطن أمه” ، كما يعاقب بالإعدام، إذا توافرت في واقعة القتل العمد إحدى الحالات الآتية:
أ – سبق الإصرار، أو الترصد.
ب – إذا وقع القتل على أحد أصول الجاني.
ج – إذا وقع القتل باستعمال التعذيب أو مادة سامة أو متفجرة.
د – إذا كان القتل تمهيدا لجناية أو جنحة أو مقترنا أو مرتبطا بهما.
هـ – إذا وقع القتل على موظف عام في أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية وظيفته.
و – لسبب دنيء.
ز – على (٢) شخصين أو أكثر.