الصحوة – د. حمد بن ناصر السناوي
في الأيام الماضية تداولت وسائل الإعلام جريمتي القتل اللتان وقعتا في سلطنة سلطنة و راح ضحيتهما سيدتان في مقتبل العمل ، تباينت ردود الفعل بين من يعتبر ذلك “عنف أسري” و “جرائم ضد النساء” و من يهاجم “المجتمع الذكوري الذي يشجع على هدر دماء النساء” ناسين أو متناسين أن بعض جرائم القتل التي جرت في الأعوام الماضية قامت بها النساء مثل التي قتلت زوجها و تلك التي قتلت أسرة مكونة من أم وأطفالها وقامت بحرق المنزل ، لعلنا نلتمس العذر لبعض تلك الردود الغريبة ربما بسبب هول الصدمة ، كيف لا و قد كنا نقرأ ونسمع عن مثل هذا الجرائم في دول آخرى و الآن نجدها في مُجتمعنا العُماني بالتحديد. وحسب خبر نشرته أحد أشهر المنصات الإعلامية في السلطنة أن الادعاء العام سجل 9 جرائم قتل عمد خلال سنة 2020.
و بعيدا عن الظروف الشخصية التي سبقت الجريمتان فليس الهدف هنا عرض واقعة بعينها تجنبا للخوض في القيل والقال ، لذلك دعونا نناقش الموضوع من جانب نفسي.
تعتبر الجريمة بشكل عام سلوك معقد تتنوع الأسباب المؤدية إليه من عوامل نفسية و اجتماعية بل و سياسية أيضا ، ويعتبر القتل من أبشع الجرائم لأن القاتل يصل إلى درجة يتجرد فيها من إنسانيته حين يقدم على إزهاق روح إنسان و سلبه حياته. و يعتبر القتل من أكثر الجرائم إلهاما للكتاب وصانعي الأفلام حيث تحتل القصص الروايات مثل الجريمة والعقاب للكاتب الروسي ديستويفسكي و سلسلة الجرائم للكاتبة البريطانية أغاثا كريستي من أكثر الروايات مبيعا مما يعكس ولع الناس في القراءة عن الجريمة أو مشاهدت الأعمال البوليسية. هذا الاهتمام قد يشجع البعض ، خاصة أصحاب الميول الإجرامية إلى تقليد بعض تلك الجرائم التي يشاهدونها أو يقرؤن عنها ، أو ربما يمجد البعض ذلك القاتل خاصة عندما يكتسب الشهرة و تتناقل قنوات الأخبار تفاصيل جرائمه ، وهذا ما حدث مع القاتل المتسلسل جيفري دامر والذي عرضت قصة حياته في مسلسل تليفزيوني تطرقت إليه في مقال سابق بعنوان ” الجريمة من منظور نفسية”.
تشير الدراسات العلمية أن معظم جرائم القتل تصاحبها مشاعر قوية مثل الغيرة والحسد و الإحباط والرغبة في الانتقام بل الحب -عندما يكون من طرف واحد – معظم الضحايا تربطهم علاقة ما بالقاتل مثل الزوج والزوجة أو الأبناء فقد حدثت أول جريمة قتل في تاريخ البشرية بين أخوين قابيل وهابيل عندما شعر قابيل بالغيرة والحسد من أخيه هابيل لأن الله لم يتقبل القربان الذي قدمه ، هكذا نجد أن المشاعر السلبية وثورة الغضب يمكن أن يعنيان البصر و البصيرة فيتهور الأنسان فيقتل أخاه . أحيانا يرتكب القاتل جريمته تحت تأثير المخدرات أو الكحول مما يؤدى إلى المزيد من الاندفاع والتهور و عدم الأخذ في الاعتبار عواقب تلك الجريمة.
ورغم الفكرة السائدة بين البعض بأن معظم المجرمين لديهم مرض نفسي إلا أن الدراسات العلميه تشير بأن حوالي ٨٠ ٪ من جرائم القتل ارتكبها أشخاص ليس لديهم مرض نفسي ، ربما الربط بين الجريمة والمرض النفسي جزء من الأفكار النمطية والمغلوطة عن المرضى النفسيين.
لعل الوقت قد حان ليقوم المسؤلين بدراسة تحليلية لحالات القتل التي حدثت في السلطنة و معرفة الأسباب التي أدت اليها للوصول إلى حلول جذرية تساعد في حل المشكلة و حفظ الأمن والأمان لجميع أفراد المجتمع.