بقلم :الدكتورة ثريا اليزيدية
يعرف الوسم بأنه كي الجلد بقطعة من المعدن المتوهج شديد الحرارة بغرض علاج بعض الأمراض والأوجاع مما يؤدي إلى ترك بقعة بيضاء تلتئم مع مرور الوقت عن طريق الالتئام الثانوي. وتتفاوت أشكال الوسم على حسب الأداة التي تم استخدامها فمن أشهر أشكال الوسم، الوسم بقطعة معدنية مستطيلة الشكل حيث إنها تترك أثراً طولياً ويسمى “مخباط“ أو بقطعة معدنية مدببة الطرف وتترك أثراً كنقط ويسمى” رزة”
وقد عرف العرب الوسم كأداة للعلاج منذ آلاف السنين فقد استعملوا الفراعنة الوسم لوقف النزيف ولاستئصال الأورام وعلاج الدمامل، وكما جاء في كتب الطب القديمة أن “أبى الطب” أبقراط استخدم الكي” الوسم “كوسيلة طبية لشفاء مجموعة من الأمراض منذ 400 سنة قبل الميلاد، فمنذ ذلك الحين انتقل الفكر إلى العرب وامتد إلى يومنا هذا حيث وصفَ كثير من الأطباء المسلمين الكي في علاج ألم الظهر كعرق النساء والصداع وألم البطن وغيره من الأمراض. فالباحث عن حقيقة الوسم في السلطنة سيجد الكثير من المؤلفات والمخطوطات العمانية التي ترجع إلى القرن التاسع الهجري والتي وصفت طرق الوسم وأماكن الوسم وتشرحه بصورة تفصيلية مما يدل على عمق وانتشار هذه الوسيلة من وسائل الطب الشعبي في سلطنة عمان منذ فترة طويلة.
وتظهر العديد من الدراسات الحديثة في السلطنة أن ٥٥.٥٪ من السكان قد استخدموا الوسم مرة أو أكثر لعلاج بعض الأمراض ومن أشهر الأمراض المتداول علاجها بالكي هي أبو صفار، أبو جنيب ، عرق النساء، الصداع النصفي وورم الطحال.
فقد أجاز بعض علماء المسلمين الكي استنادا إلى حديث الرسول صل الله عليه وسلم” الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وكية نار، وشرطة محجم، ولا أحب أن أكتوي، رواه البخاري في الصحيح، وفي رواية: وأنا أنهي أمتي عن الكي “فشرب العسل من أسباب الشفاء، وهكذا الحجامة، لكن إذا تيسر علاجٌ آخر غير الكي؛ فهو أولى، لأن فيه نوعا من التعذيب وهو المقدم، فإذا تعذر العلاج وبقي الكي وسيلة فلا بأس
فقد فهم كثيرٌ من الناس أنها وصية من وصايا الرسول في التداوي غير اِنْهَ نهى عنها إلا في الضرورة القصوى، فقد كثرت المبالغة في الكي وتعددت وسائل الكي مما جعلنا نرى الكثير من القصص التي انتهت بها الحال إلى العناية المركزة ثم الموت الأمر الذي استدعى تدخل المسؤولين في وضع قانون واضح يمنع فيه الوسم حيث نص القانون” يعاقب بالسجن لمدة قد تصل ٣ سنوات من قام بوسم طفل “الكي بالنار” لما له آثار على صحته الجسدية وعلي منظر جلده. وإنا نحسبه انتهاكاً لحق ذاك الطفل فلا يقتصر الموضوع على الأطفال وهو الشائع ولكن حتى كبار السن وخصوصا مرضى السكري فالمعروف أنهم يعانون من تأخر التئام الجروح الأمر الذي يعرضهم إلى التهابات حادة قد تصل إلى الدم أو العظام والتي من الممكن أن تؤدي إلى كوارث لا يحمد عقباها.
لا يمكن الحديث عن مدى استفادة الناس من الوسم إلا بدراسات طبية مكثفه ودقيقة، كما أن طريقة الوسم في الشفاء غير معروفة إلى الآن فهل تتشابه مع طرق الإبر الصينية؟ أم هي مجرد إشباع نفسي؟ أم هي مجرد تخدير موضعي وقطع الأعصاب الحسية الموجودة في الجلد فيشعر فيها المريض بغياب الوجع خارجيا، هذه كلها تساؤلات لا يمكن الإجابة عليها حاضرا فهي تستدعي المزيد من البحث العلمي الدقيق قبل رفض أو قبول الوسم كأداة من أدوات العلاج. وحتى ذلك الوقت سنبقى محتارين أمام هذه الظاهرة ومدى انتشارها ومدى إيمان الناس بها في السلطنة على الرغم من انتشار الطب الحديث في جميع ربوع سلطنتنا الحبيبة.