الصحوة – د. حمد بن ناصر السناوي
استيقظ م، ن ليجد نفسه في غرفة الإنعاش بأحد المستشفيات ، شعر بصداع شديد وهو يحاول أن يتذكر الأحداث التي سبقت وصوله إلىهذا المكان ، و كيف بلغت مشاعر اليأس والضيق أقصاها قبل أن يتوجه لأقرب صيدلية و يشتري بالنقود المتبقية لديه دواء رغم أنه لا يعانيمن أي مرض جسدي ، فقط أراد أن ينهي حياته بجرعة زائده ، كان قد وصل إلى المدينة الخليجية منذ أسابيع بحثا عن عمل بعد أن أغلقتأبواب الرزق أمامه في بلده ، شجعه أحد الأصدقاء فقام ببيع قطعة الأرض التي ورثها عن أبيه و توجه إلى المطار دون أن يخبر والدته ، لمتكن فرص العمل في المدينة الخليجية أفضل فجميع الوظائف التي عرضت عليه لا تتناسب مع شهادته الجامعية ، انتهى به الأمر العمل فيمطعم ساعات طويلة بمرتب بسيط لا يغطي المساهمة في إيجار الغرفة التي يسكنها مع أربعة من أصدقائه، قطعت الممرضة عليه حبلالذكريات لتخبره بأن الموظف الإداري في المستشفى يود أن يناقش معه التبعات القانونية لمحاولة الانتحار.
تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية لعام ٢٠١٩ أن اليمن يتصدر المرتبة الأولى بالنسبة للدول العربية في نسبة حالات الانتحار حيثوصلت إلى 5.80 حالة لكل 100 ألف مواطن ، يليه السودان في المرتبة الثانية بنسبة 3.8 لكل 100 ألف، ثم مصر في المرتبة الثالثة بنسبة3 حالات لكل 100 ألف شخص.
كما يشير التقرير أن الضغوطات الاقتصادية من العوامل التي تؤدي إلى الانتحار. في بعض الدول العربية يوجد قانون يجرم محاولةالانتحار و تقضي بنوده بأن “كل من شرع في الانتحار بأن أتى فعلا من الأفعال التي قد تؤدي إلى وفاته يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنةواحدة أو بغرامة لا تزيد عن ألف …..أو بالعقوبتين معا.
تسأئلت عن الهدف من هذا القانون و هل يعتقد من وضعه أنه بهذه الطريقة سيردع الأفراد من محاولة الانتحار ؟
الانتحار سلوك معقد يعتبر ضد الفطرة البشرية و تتعدد الأسباب التي قد تدفع بالفرد إلى محاولة إنهاء حياته وإن كانت أغلب تلك الأسبابتشترك في مشاعر اليأس والإحباط التي يشعر بها الفرد عند وصوله إلى تلك المرحلة ، في الطب النفسي يمكننا تقسيم محاولات الانتحارإلى نوعين ، النوع الأول مرتبط بالأشخاص الذين يعانون من مرض نفسي مثل الفصام أو الاكتئاب الشديد أو مرض ثنائي القطب الذييتأرج فيه المريض بين نوبات الكأبة والهوس الشديد ، في هذه الحالات قد يصل الفرد إلى قمة الشعور باليأس وبأن الدنيا لا تستحق أنيعيشها وأن مستقبله سيكون مظلما فيلجأ إلى إنهاء حياته بنفسه ، بينما النوع الآخر من المرضى يعاني من إضطرابات في الشخصيةوكيفية التعامل مع ضغوطات الحياة المختلفه لذا يكون إيذاء النفس طريقة غير صحية للتعامل مع تلك الضغوطات ، في هذه الحالة لا ينويالمريض التخلص من حياته بل التعامل مع الأزمة التي يواجهها و عادة ما تكون محاولات الانتحار تلك غير مخطط لها و وليدة اللحظة لكنهالا تقل خطورة عن المحاولات الجادة . تخيل معي أن مثل هؤلاء لأشخاص يطلبون المساعدة من الجهات المختصة ليتفاجأوا بأن القانون يجرمفعلتهم و يفرض عليهم العقوبة بدل المساعدة التي يحتاجونها.
يقول أحد الأطباء النفسيين في تقرير نشر في صحيفة الجاردين البريطانية “ أن تجريم الانتحار لا يمنع الناس من ارتكابه بل من طلبالمساعدة في وقت الأزمات الحادة، ويمكن أن يمنع الأشخاص من الحصول على الدعم الذي يحتاجونه لصحتهم العقلية” ، ورغم وجود هذهالقوانين نجد محاولات الانتحار مستمره في معظم البلدان التي تجرم الانتحار بمعنى أن هذا القانون لم يردع الأشخاص ولم يساهم في حلالمشكلة من أساسها لذا دعونا نفكر في حلول عملية للتقليل من محاولات الانتحار و تشجيع الأفراد في طلب المساعدة عندما يحتاجونها وتوفير الكوادر المدربة من الأطباء النفسيين والمعالجين النفسيين القادرين على تشخيص المرض النفسي وتقديم العلاج المناسب و كذلكتحسين الظروف المعيشية للشباب و توفير الوظائف مما يحسن المستوى المعيشي لهم.