الصحوة – مروة الهنائية
الرطب, ثمر نخيل العرب , فاكهة الصيف , و حلو الشتاء , و وقاية للسليم ,ودواء للعليل. كرمه الله تعالى في القرأن الكريم , و كان غذاء مريم بعيد ولادتها بعيسى عبد الله ورسوله عليهما السلام , فقال الله في وحيه إلى مريم : ” وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا” سورة مريم .
ويقول قائل: ” التمر و الرطب لا يجيد أكله و لا يعتز به إلا العرب” فنجده في موائدهم , و عند إكرام ضيفهم , يدللون نخله حتى يثمر , و يستبشرون بأوله بتوزيعه على الأحباب , و عند كثرته يدللون على وزنه و نوعه فيعطيهم الخير الجزيل. له أنواع , منها الحلو ومنها الحلو الخفيف .
و الرطب هو المرحلة ما قبل تكون التمر , فمراحل ثمرة نخيل العرب خمس مراحل أولها الطلع “التنبيت” الذي يأخذ من نخيل الفحل (الذكر) لتلقح به النخيل(الأنثى) التي تنتج الثمار . وثانيها مرحلة “الخلال” و يكون بشكل كرات خضراء صغيرة على عذق النخيل ثم يكبر حجمها و يبدأ بالاصفرار أو الإحمراء على حسب نوعها, و إذا ما صفى اللون يسمى “بسرا” , ثم يبدأ بالنضج فتتحول أجزاء من الثمرة الحمراء إلى اللون الأسود , و من الثمرة الصفراء إلى اللون البني و تأخذ هذه المرحلة إسم “الرطب” الذي يخرف في موسم لا يخلوا من التجمعات العائلية و الجيران, متحابين متعاونين , حيث يقوم الرجال بخرف عذوق الرطب و تقوم النساء و الأطفال بتخليص الرطب منها و تنقيته . ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الخامسة وهي مرحلة التتمير أو تجفيف الرطب الذي اكتمل نضجه و يوضع في أسطح مستوية تحت الشمس الصيفية لنحصل بعدها على “التمر”.
وللرطب و التمر طقوس في الأكل , و نقتدي نحن المسلمون بنبينا محمد , فأول ما يفطر به صباحا على الريق هو سبع تمرات من عجوة حيث فيها وقاية من السموم و السحر كما أخبرنا بذلك صلوات الله و سلامه عليه , و أيضا أول ما يدخل في جوف المسلم بعد الصيام يجب أن يكون بين ثلاث , الماء أو اللبن أو التمر و الرطب: فهي تساعد على تنظيم وظائف الجسم بعد الصيام .
و من المعروف عند العرب أن من أراد السفر يتزود بالتمر والرطب فقال في ذلك أمير الشعراء أحمد شوقي:
طعام الغني و حلو الغني وزاد المسافر والمغترب
و يحكى أن في أحد الأزمان أصاب عمان مجاعة وفقر , فاضطر الناس أن يأكلوا البسر ,وهي مرحلة لا يكون للرطب حلاوة …و لكن الجوع أجبرهم على ذلك . ورغم ذلك إشتهر عند العمانيين حتى الأن موسم يسمى موسم التبسيل ,وهو ينسب إلى رطب المبسلي,حيث يعمدوا إلى البسر منه فيطبخونه بمراجل ضخمة ,ثم يجففونه على أسطح مستوية تحت أشعة الشمس, و بعد ذلك يعلبونه إما للتخزين ليستخدم في الشتاء أو للتصدير خارج عمان .
وجميع ما في الرطب مفيد, فالنواة يستخدمها محبي القهوة كشراب ,فيقوموا بتحميصها تماما مثلما تحمص القهوة ثم يقوموا بطحنها و غليها بالماء لتتحول إلى شراب . و يستخدمها أيضا محبي الفن فيصنعون منها تحفا و لوحات فنية فسيفسائية, وذلك بصف النوى صفا صفا متبعين رسما على اللوحة أو المجسم , و تزين به القاعات و المجالس. و التفروقة أيضا يستخدمها الفنانين , و هي الجزء المستدير الذي يربط ثمرة الرطب بعذق النخلة , و لها وجه مبهج وجميل على القطعة الفنية.
و” تلك البهجة التي تأتي من عمتنا النخلة ” _كما قال أحدهم_ مستمرة إلى ماشاء الله , و كل ثقافة تستلهم لها بهجة منها , و أطرح هنا مثالا:خلال تصفحي الإنستجرام هذه الأيام شاهدة توثيقا لفعالية قامت بها نساء نادي القلوب العذبة من جمعية المرأة العمانية ببهلاء, و هن جدات اجتمعن في الجمعية لممارسة مهارات مختلفة ,فأعيدت لهن ذكريات الطفولة حين صنعن حُلي من حبات “الخلال”. قامت الجدات بشك حبات الخلال بإبرة موصولة بخيط من سعف النخيل ليتشكل لهن قلائد و أساور خضراء مبهجة طغت روعتها و بهجتها على حُلي الذهب والفضة اللاتي يرتدينها .
هذه الفعالية أعادت لي أيضا ذكريات الطفولة. أذكر عندما كنت صغيرة كنت أفعل مثلهن أيضا , وكنت أظن أن هذا الأمر ليس من التراث ,أو تاريخه حديث بحداثة لعبنا أسفل نخلة تساقط منها “خلال” لؤلؤي أخضر صغير , فنزين به مدفن لسن سقط منا ,أو قلادة كقلادة الجدات في نادي القلوب العذبة .
لا يمكن أن يستغني الإنسان العربي و المسلم عن الرطب, هو إمتثالا لأمر الله و إقتداء بهدي نبيه وهو سلة الغذاء و صيدلية الدواء و زينة المنزل و بهجته النفس,و ذكره لا تكفيه الصفحتين من أجل حصره. ماشاء الله وبارك.