الصحوة – شريفة التوبية
منذ زمن طويل قرأت رواية “الجميلات النائمات”، للأديب الياباني (ياسوناري كواباتا)، تحكي الرواية قصة العجوز (إيجوشي) الذي يقضي خمس ليال بجانب مراهقات نائمات تحت تأثير مخدّر، دون أن يقترب من أي واحدة منهن، رواية “يغوص فيها كاواباتا إلى أعمق مناطق النفس البشرية وأكثرها تعقيداً، هي تلك المنطقة الغائمة بين الموت والشباب والجنس والحُب”. رواية غابت عني احداثها حتى دُعِيتُ ذات يوم لحضور حفل زفاف.
على “الكوشة” تجلس عروس صغيرة السن، في انتظار “العريس” الذي كان الحضور أيضاً يترقّب حضوره، تحجّبت النساء السافرات حين أُعلن عن دخوله. دخل رجل كبير في السن يتكئ على عصا، توقّع الجميع أن يكون أب العريس الذي سبق ابنه في الدخول كنوع من الدعابة أو التنسيق الذي يحدث أحياناً في حفلات الأعراس، لكنّ الصدمة التي شملت الجميع أن يكون الرجل العجوز هو “العريس”.
قديماً كانت الفتاة تحلم بفارس الأحلام العشريني، القادم على حصان أبيض كما تقول الحكايات، تعلّق في جدار قلبها صورة جميلة لفتى أحلامها، والذي لن يكون بعيداً عن ابن الجيران الذي تحبّه بصمت، أو صديق الأخ الذي قد تراه صدفة وهو قادم مع أخيها، فينبض قلبها دون أن تبوح بشعورها ذاك حتى أمام أقرب الصديقات. وتظل تلك المشاعر العذريّة في ركن قصي في قلبها دون أن تحمل صفة العلاقة التي نعرفها الآن، فقط مشاعر بريئة لفتاة تحلم أن تتزوج بمن يماثل عمرها، وأن حدث وزوّج الأب ابنته لرجل أكبر منها، فسيُعتبر ذلك منقصة، وسيُعاب الأب أنه باع ابنته من أجل المال والثروة.
اليوم ولو سألت بعض الفتيات عن فارس أحلامها، ستقول لك إنها تحلُم برجل خمسيني أو ستيني أو ربما أكبر، تريده غنياً ويملك ثروة، الفتاة اليوم لا تحلم بالشاب المكافح الواقف في طابور الباحثين عن عمل، ولا بصغير السن الوسيم الشكل، البهيّ الطلعة الذي وأن حصل على وظيفة فأنّ راتبه قد لا يتجاوز خمسمائة ريال، فمع بريق الماركات التي تستعرضها مشهورات (التيك توك)، ورغم تفاهة المعروض تلمع عينا الفتاة الحالمة بالثراء والثروة ويصاب قلبها بحالة اسمها “العجز العاطفي”، فيغيب احتياجها إلى العاطفة أو الشريك الحقيقي، وتحضر حاجتها للمال والمادة، ولأنها لا تبحث عن عاطفة، بل عن بطاقة بنك، ولأن الشاب الصغير لا يملك رصيداً بنكيّاً كافياً، يصبح كل رجل عجوز ثري مستهدف “والعين عليه”.
وإن كانت الفتاة ضحيّة الظروف والفقر والحاجة، أيضاً ذلك الرجل العجوز ضحيّة لأزمة منتصف العمر وما تلاها من أعراض الشيخوخة والشعور بالوحدة وغياب الاهتمام، فأكثر ما يحتاج إليه الإنسان منذ ولادته وحتى موته هو الحُبّ، ومع تقدّم سنوات العمر يمر هذا الإنسان بطور مراهقة متأخّرة، وأطوار أخرى حتى يرتدّ طفلاً، وتعود إليه احتياجاته الأولى في الرغبة إلى وجود من يهتمّ به ويرعاه، وتصبح حاجته للمحبّة والعناية أكبر وأشد حتى من حاجة طفل صغير، لأنه يعيش المرحلة الأصعب، مرحلة” أرذل العمر”. وقد لا يخشى الإنسان الموت قدر خشيته من الشيخوخة والوحدة والعجز والفراغ، وهذا الخوف ربما ما يجعل رجل كبير في السن ينساق لرياح الوهم العاطفي التي قد تتحوّل إلى عاصفة زواج، تهبّ عليه في الوقت الضائع من عمره، فتأتي على كل شيء حتى تبقيه وحيداً بعيداً وقد خسر النفس والمال والعائلة.
تنويه: العنوان مستوحى من فيلم مصري أنتج عام 1983، بطولة نبيلة عبيد ومحمود عبد العزيز.