العمانية – يحتفي مركز عُمان للموسيقى التقليدية التابع لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم بديوان البلاط السلطاني خلال شهر يناير الجاري بالذكرى الخامسة والثلاثين على تأسيسه كثمرة من ثمرات العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي حظيت الثقافة والفنون في عهده المبارك بالرعاية والعناية الساميتين، حيث أن الموسيقى من أبرز المجالات الثقافية العُمانية التي تأثرت بفكر جلالته ـ أعزه الله ـ وهو ما نشهده في الواقع المعاصر مما كان له الأثر العميق على حاضر الموسيقى العُمانية وتطورها.
ويؤكد مركز عُمان للموسيقى التقليدية على أهمية الواقع الموسيقي العُماني الذي تشكل متأثراً بفكر حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – وعلى أهمية دور المركز في بلورة هذا الواقع الموسيقي المعاصر منذ تأسيسه في يناير من عام 1984، وهو دور مستمر منذ خمسة وثلاثين عاما في إثراء الحركة الموسيقية العُمانية إعلامياً وثقافياً وفنياً.
وقال مسلم بن أحمد الكثيري مدير مركز عمان للموسيقى التقليدية إن المركز عمل منذ تأسيسه على الاهتمام بثلاثة مجالات رئيسية شملت الجمع والتوثيق، والبحوث والدراسات الموسيقية، والأنشطة والفعاليات، وبرامج بناء القدرات والمهارات الموسيقية، حقق من خلالها العديد من الإنجازات حيث انطلق في البداية من مدينة صحار في أغسطس من عام 1983م. وبعد خمسة أشهر فقط، تم تأسيس المركز ليضم حصاد مشروع الجمع والتوثيق الميداني لفنون عُمان التقليدية في مجالات الموسيقى والغناء والرقص وبلغ عدد المواد المحفوظة في أرشيفه بعد عام من تأسيسه أكثر من 21930 من التسجيلات السمعية والمرئية والصور الضوئية. أما اليوم فنحن نتحدث عن أضعاف هذا العدد من الوثائق في مكتبة المركز السمعية والمرئية.
وأشار إلى أن الدكتور يوسف شوقي مصطفى كتب عن ذلك في معجم موسيقى عُمان التقليدية قائلاً ” تعود فكرة إنشاء مركز عُمان للموسيقى التقليدية إلى 1983م تحقيقاً للرغبة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه – في الحفاظ على موسيقى عُمان التقليدية، إدراكا بأن النهضة الشاملة التي تشهدها البلاد تحمل معها أنماط الحياة العصرية بما يمثل تهديداً للفنون التقليدية التي يبدأ تراجعها ومن ثم اندثارها تحت زحف فنون العصر”.
وأضاف الكثيري أنه “منذ عام 2017م عملنا على تنويع وسائل التوثيق لتشمل بالإضافة إلى التسجيل الميداني إنتاج برامج وأفلام وثائقية، وفيديو كليبات، وطوابع بريدية. وكان أول طابع بريدي انتجه المركز في عام 1985م بمناسبة انعقاد الندوة الدولية لموسيقى عُمان التقليدية، وفي الواقع لم يتوقف نشاط الجمع والتوثيق، وظلت المهام الميدانية مستمرة تقريباً بشكل سنوي حتى 2000م، ولكن ومنذ 2017م عاد المركز إلى القيام مجدداً بهذه المهام الميدانية وخاصة في الولايات التي لم يشملها من قبل أو لم يستكمل فيها الجمع الميداني، وفي سبتمبر من عام 2017م وثق المركز بالتسجيل السمعي والمرئي العديد من فنون الموسيقى التقليدية لأول مرة للناطقين بالعربية المهرية والعربية البطحرية في ولايتي المزيونة وشليم. ومن محاسن الصدف أن فريق المركز سجل في نيابة الشويمية مع مجموعة من كبار السن هم آخر المتحدثين بالبطحرية والحافظين لأغانيها وأشعارها في النيابة، كما قام فريق العمل الميداني بالمركز في شهر ديسمبر من عام 2018 بمهمة ميدانية في ولايتي ثمريت، ومقشن، وفي هذا العام 2019 سوف يقوم فريق العمل الميداني بمهمة ميدانية في ولايات محافظة الوسطى. وهذه الولايات الصحراوية بشكل عام أصبحت بفضل انتشار التعليم الحكومي وعوامل الاستقرار الحضري تفقد بعض خصوصية ثقافتها الموسيقية وبشكل خاصة الولايات التي يتحدث مواطنوها بلغات عربية قديمة أو لهجات مميزة كالكثيرية، والمهرية والبطحرية والحرسوسية وغيرها”.
وأكد مدير مركز عمان للموسيقى التقليدية في هذا السياق قائلا “نعمل على ملاحظة التغييرات الحاصلة في ممارسة فنون الموسيقى التقليدية ومناسبات أدائها في المجتمعات التقليدية، وفي الواقع هناك العديد من المتغيرات المرصودة في مجالات التوارث وأساليب الأداء الفني من جهة والوظائف التقليدية من جهة أخرى، وهذا ما نصفه بالاستبدال الوظيفي والفني؛ وهي الوسيلة الجديدة التي ضمنت استمرار العديد من فنون الموسيقى التقليدية وقوالبها الفنية اللحنية والإيقاعية وأدائها الحركي”.
وفيما يتعلق بجهود المركز في مجال البحوث والدراسات في الموسيقى العُمانية والعربية قال “إن قراءة الكتب الموسيقية ليس كسماع الألحان التي يصِلنا أثرُها بواسطة السمع قبل العين، فالأذن تعشق قبل العين ليس أحيانا ـــ كما قال الشاعر بشار بن برد ـــ بل في كل وقت مع اللغة الموسيقية، ولكن اللغة المحكية هي أداة لنقل وحفظ المعارف الموسيقية.
وفي كل الأحول أهل الموسيقى هم أهل الحب والعشق، ويمكن اعتبار عام 1985 وهو العام الذي احتفلت فيه السلطنة بالذكرى الخامسة عشرة للعيد الوطني المجيد عام بالغ الأهمية في مسيرة المركز وتاريخ الموسيقى العُمانية المعاصرة، فقد نظمت وزارة الإعلام بواسطة المركز خلال الفترة من 6 ــ 16 أكتوبر الندوة الدولية لموسيقى عُمان التقليدية، ومع تلك الندوة التاريخية بدأ في بلادنا البحث الموسيقي، وترسخ الاهتمام بالموسيقى التقليدية العُمانية والمحافظة عليها باعتبارها ” سجلا حيا لأهل عُمان ” كما تذكر وثائق تأسيس المركز وإصداراته، وكان وزير الإعلام حينها معالي المستشار عبدالعزيز بن محمد الرواس قد أشرف بنفسه على هذه الندوة وقبلها مشروع الجمع والتوثيق وتأسيس المركز، وكلف بمسؤولية تنفيذه إلى فريق برئاسة الأستاذ الدكتور يوسف شوقي مصطفى”.
وأوضح أن “أهمية تلك الندوة تقع ليس فقط في مكانتها كحدث تاريخي فحسب بل، إن تلك الندوة وضعت الموسيقى العُمانية ولأول مرة موضع البحث والتحليل من منظور علم الموسيقى وعلم موسيقى الشعوب، ومنذ ذلك التاريخ أيضاً بدأ اهتمام المركز بتنظيم الفعاليات الموسيقية كالندوات والملتقيات والمحاضرات، إلى جانب إعداد المقالات والبحوث التعريفية والتحليلية ونشرها، وتنوعت موضوعاتها لتشمل الموسيقى العربية وبعض العلوم ذات الصلة كالفلسفة على سبيل المثال، حيث كانت آخر محاضرة نظمها المركز يوم 3 أكتوبر من عام 2018 م بعنوان الفلسفة والموسيقى .. أية علاقة؟. وهذا المسار الثقافي سوف نستمر فيه . وفي هذا السياق نتطلع إلى إطلاق العدد الأول من مجلة ” الموسيقى العُمانية الإلكترونية” لتستوعب هذا النشاط الثقافي الفني”.
وأضاف “كان “معجم موسيقى عُمان التقليدية ” الذي أعده الأستاذ الدكتور يوسف شوقي مصطفى ونشره المركز في عام 1989م، أول إصدار في الموسيقى العُمانية، ولكن تقرير مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية غير المنشور الذي أعده أيضاً الدكتور شوقي عام 1985م ربما يكون أول دراسة مكتوبة عن الموسيقى العُمانية على الإطلاق، وبشكل عام تنوعت إصدارات المركز المقروءة والمسموعة والمرئية، وفي عام 1997م أصدر المركز كتابا للدكتور عصام الملاح بعنوان: ” الموسيقى التقليدية العُمانية وعلم الموسيقى “، وهو من المراجع الهامة في مكتبة المركز الثقافية المختصة بدراسة وتحليل الإيقاعات العُمانية، وفي عام 2005م أصدر المركز كتاب بعنوان: “الموسيقى العُمانية مقاربة تعريفية وتحليلية”، للموسيقي والباحث مسلم بن أحمد الكثيري كأول إصدار في مجال تاريخ الموسيقى العُمانية”.
وأكد أن اهتمامات المركز لم تنحصر على الموسيقى العُمانية، فقد احتلت الموسيقى العربية مكانة خاصة من إصدارات المركز وفعاليات المختلفة. وفي هذا المجال نشر في عام 2004 كتاب بعنوان: ” التوجهات المستقبلية في الموسيقى العربية ” ضم البحوث المقدمة للمؤتمر الدولي الذي نظمه المركز بالتعاون مع المجلس الدولي للموسيقى (اليونسكو)، وفي عام 2006م نشر كتاب بعنوان: ” آلة العود بين دقة العلم وأسرار الفن” من تأليف الأستاذ الدكتور محمود قطاط، وينظر إلى هذا الكتاب اليوم باعتباره واحدا من أهم المصادر والمراجع العربية عن هذه الآلة العريقة، وفي عامي 2014 و2015 نشر المركز كتابين هامين ضما البحوث المقدمة في ملتقى المؤرخين الموسيقيين العرب ( الأول والثاني) الذي نظمه المركز بالتعاون مع المجمع العربي للموسيقى بجامعة الدول العربية؛ وكان عنوان الكتاب الأول: ” قراءة جديدة في تاريخ الموسيقى العربية”، أما الثاني فعنوانه كان:” تاريخ الموسيقى العربية في كتابات الأجانب .. نقل وتحليل” وينظر المركز بأهمية كبيرة إلى استمرار التعاون مع المجمع العربي للموسيقى بجامعة الدول العربية في تنظيم ملتقى المؤرخين الموسيقيين العرب بمسقط، وإنجاز مشروع كتابة تاريخ الموسيقى العربية، وبشكل عام وصل مجموع إصدارات المركز حتى عام 2018 إلى 23 إصدارا مقروءا ومسموعا ومرئيا”.
وتطرق مدير مركز عمان للموسيقى التقليدية التابع لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم بديوان البلاط السلطاني إلى فعاليات وأنشطة المركز النوعية التي تثري النشاط الثقافي والفني فقال إن ” المركز أقام العديد من الفعاليات والأنشطة، لعل أبرزها ــ بالإضافة إلى الندوة الدولية ـــ ملتقى العود الدولي في عام 2006م بمناسبة مسقط عاصمة الثقافة العربية، وشارك فيه نخبة من العازفين وصناع آلة العود، ينتمون إلى أقطار كثيرة عربية وأوروبية إلى جانب تركيا وإيران”، مشيرا إلى أن جدول المركز مزدحم بالأنشطة والفعاليات التي ينظمها طوال العام في مسقط وخارجها، وفي هذا السياق لا يكاد شهر يخلو من نشاط، وهي متنوعة، كالمحاضرات واللقاءات، والبرامج المخصصة للفرق الشبابية، وفرق الموسيقى التقليدية، والأمسيات بمناسبات مختلفة تحييها فرقة المركز الموسيقية التي تتكون من الموسيقيين الموظفين وأعضاء من غير الموظفين في بيت الموسيقى العُمانية بالمركز”.
وأشار إلى أن فرقة المركز الموسيقية تعتبر منصة موسيقية تجمع المحترفين والهواة في مجال العزف والغناء والرقص، وبالإضافة إلى إقامة الأمسيات ينفذ المركز بواسطة هذه الفرقة برامج عديدة مثل: برنامج بناء القدرات والمهارات الموسيقية الذي يضم إقامة الحلقات الموسيقية، ورعاية المواهب ورعاية أنشطة فرق الشباب الموسيقية، وبرنامج الدروس المسائية في مجالات العزف والغناء”.
وقال مدير مركز عمان للموسيقى التقليدية في ختام حديثه “إن المركز باعتباره بيتا للموسيقى العمانية يتطلع إلى إن يكون له مبنى مناسب يستوعب مرافقه ونشاطاته وفتح فروع له في محافظات السلطنة من أجل تفعيل دوره في المحافظة على الموسيقى التقليدية العمانية وتنمية المهارات وبناء القدرات الموسيقية وإقامة الأنشطة والفعاليات الموسيقية المختلفة.