من المعاني الجليلة والجميلة التي نستطيع استنباطها والأخذ بها عند قراءتنا لقصة موسى – عليه السلام – و العبد الصالح التي ورد ذكرها في سورة الكهف معنى راقٍ وجميل وهو لطف الله الخفي الذي يحيط بمجمل حياتنا من كل حدب و صوب.
على الرغم من أن هذا اللقاء لم يدم طويلا بين هاتين الشخصيتين المتباينتين عن بعضيهما بمجرد نفاذ صبر النبي موسى – عليه السلام – لما فعله العبد الصالح من أمور لا تستوعبها عقول البشر ولا نظرتها القاصرة لما يصرّفه ويدبّره لنا المولى – عز وجل – من أقدار مختلفة ولكن جاءت هذه المواقف الثلاثة محملة بالكثير من الدروس والعبر من أجل العيش على هذه البسيطة وفق منهج واضح وأساس ثابت.
فخرق العبد الصالح للسفينة بعد أن أحسن أصحابها استقبالهما وضيافتهما واستنكار موسى – عليه السلام – لهذا الفعل الذي اعتبره بمثابة خيانة وغدر بأهل الفضل ممن أسدوا لهما جميلا بنقلهم بمركبهم للضفة الأخرى من البحر. وهذا ما يجسد لنا في الحقيقة كم هي المرات العديدة التي امتعضنا فيها واعترضنا و حتى استعجلنا في الحكم على ما يقدره الله سبحانه وتعالى من أمور لا نرغب بها واستياءنا في الوقت نفسه لعدم حدوث ما نرغب به.
وقتله للغلام الصغير بدون أي ذنب اقترفه هذا الغلام في الموقف الثاني والذي يتضح لنا من خلاله بأن هنالك أمور قد تحدث لنا ويخفي الله سبحانه وتعالى الحكمة من حدوثها كما أخفى عن أم الغلام السبب الرئيسي وراء موت ابنها وقاتله الحقيقي فمهما بحث واجتهد الإنسان فإن الله تعالى لا يطلعه عن سبب حدوث تلك الأمور.
وتقديمه ليد العون والمساعدة في الموقف الثالث والأخير لمن أجحف وتمنع عن استضافتهما وإطعامهما لتتمثل هذه المساعدة في بناءه للجدار الذي أوشك على السقوط دون أن يأخذ أجراً مقابل ذلك. لندرك في هذا المشهد بأن الله سبحانه وتعالى لا يترك عباده الصالحين أبدا دون أن يجازيهم ويكافئهم لما قاموا به من أعمال الخير والصلاح في دنياهم وإن اختلفت طرق هذه المكافأة.
ولو أسقطنا هذه المواقف والتجارب على عموم حياتنا سنجد كم هي المواقف والتجارب الكثيرة التي مررنا بها وظننا للوهلة الأولى من وقوعها بأنها لن تمر وتنتهي لصعوبة وشدة وقعها علينا بما خلفته من آثار ونتائج أكدت صحة معتقدنا فكم من أم فُجِعّت بفقدان جنينها وكم من فتاة سخطت على أقدار الله تعالى عندما لم يُكتب لها الزواج بمن ترغب به وكم من شاب اعتزل الناس لمجرد رفضه من الوظفية التي يحلم بشغلها.
ولكن من يملك حسن الظن بالله ويثق به سبحانه كيف يصرّف ويدبّر أمور عباده ويرضى عن أقداره مهما كانت سيستشعر حينها تلك العناية الربانية واللطف الخفي الذي يحيط به في كل وقت وحين وفي كل موقف يمر به تعيسًا كان أم سعيدًا.
فلطف الله لا يتجسد في درء المتاعب والمصاعب عنا فحسب وإنما يهيء لنا أمور الخير التي ربما لا نستشعر بها في أحيان كثيرة.
لو كنتُ أَعجَبُ من شيءٍ لأعجَبَني
سَعيُ الفَتى وَهوَ مَخبوءٌ لَهُ القَدَرُ
يَسعى الفَتى لأمورٍ ليسَ مُدركَها
والنَفسُ واحِدَةٌ وَالهَمُ مُنتَشِرُ
والمَرءُ ما عاشَ مَمدودٌ لَهُ أمَلٌ
لا تَنتَهي العَينُ حَتّى يَنتَهي الأَثَرُ
كعب بن زهير