الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
قام الحكم في السلطنة على ثلاثة مباديء رئيسة، هي العدل والشورى والمساواة، وهي مباديء مستمدة من شريعتنا الإسلامية السمحة قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، وهكذا جعلها السلطان الراحل طيّب الله ثراه عنواناً لكافة أنشطة الدولة، وعندما صدر النظام الأساسي للدوله، تم التأكيد عليها في المادة التى تنص على أن ( يقوم الحكم في السلطنة على العدل والشورى والمساواة ، وللمواطنين حق المشاركة في الشؤون العامة وفقاً للقانون )، وهنا أنا اتكلم عن ثوابت وأسس وقيَ وأركان ركينة، أتكلم عن دولة وسلطان وشعب، ولست معنياً بتصرف وسلوكيات جامحة حادت وانحرفت عن تلك الأسس والمباديء، قام مسؤول هنا أو مسؤول هناك، لم يوفِ بواجبات مسؤولياته، وخرج عن تلك المباديء، التي يُعد الخروج عليها خرقًا صريحاً لواجب المسؤولية .
والعدل يعني في مفهومه العام، الإنصاف بين الناس فيما لهم وما عليهم، لذا كان اهتمام جلالته على تنظيم صرح العدالة كما يجب اهتماماً واضحاً ودقيقاً ، بعد أن كان كل كيان له علاقة بتحقيق العدالة، كياناً مستقلاً بذاته، فالقضاء الشرعي الذي كان صاحب الولاية العامة يتبع وزارة العدل، ثم تم إنشاء القضاء الجزائي في بداية الثمانينيات من القرن الماضي مستقلاً بذاته، والقضاء التجاري مستقلاً بذاته، ولجان حسم منازعات الإيجارات وغيرها من اللجان ذات الاختصاص القضائي، هي الأخرى مستقلة بذاتها، حتى جاء عام ١٩٩٩م عندما صدر قانون السلطة القضائية، فوحّد القضاء العادي تحت مظلة واحدة، يختص بكافة القضية، ما عدا المنازعات الإدارية التي أُنشيء لها قضاء خاص، كما تم إنشاء الادعاء العام الجزائي، مع وجود تبعية إدارية لهذه الأجهزة، فالقضاء العادي يتبع وزارة العدل، والقضاء الإداري يتبع وزير ديوان البلاط السلطاني، والادعاء العام يشرف عليه المفتش العام للشرطة والجمارك .
وفي عام ٢٠١١م، تحررت الأجهزة القضائية كلها من أي تبعية إدارية، وأصبحت تدير نفسها بنفسها من خلال مجالس للشؤون الإدارية، يتكون من شيوخ القضاء أنفسهم ، مع وجود المجلس الأعلى للقضاء، ويرأسه سلطان البلاد فيما أعضاؤه الأخرين من القضاة، وبهذا تكون المنظومة القضائية قد اكتمل بنيانها، ولا سلطان عليها بموجب النظام الأساسي للدولة من أي جهة أو مسؤول مهما علا شأنه وقويَ سلطانه، فالمواطنون جميعاً يعتبرون القضاء سبيلهم الذي يصلون فيه من أجل الحصول على الإنصاف وينشدون فيه الحق والعدالة، حتى ولو كانت الدولة خصماً لهم، فهو الحارس الأمين على حقوقهم وحرياتهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم. باعتبار أن التدخل في شؤون القضاء بأي صورة كانت، تُعد جريمة يعاقب عليها قانون الجزاء العماني .
ولا شك أنحقيق العدالة يمنح المواطن الشعور بالأمن، والأمن بدوره يؤدي إلى الاستقرار النفسي والمعنوي والمادي، ممّا يخلق بيئة ومناخاً سليماً للتنمية والازدهار ، وعلى قدر نزاهة وحيادية القضاء والقضاة يكون إيمان الأفراد بهيبة ومكانة الدولة، واقولها صريحة جلية، إنّ مئات الآلاف من العساكر المدججين بالسلاح وحدهم، لا يصنعون أمناً ولا استقرارًا دائماً، فالتلازم بين العدالة والأمن مسألة حتمية لاستقرار المنظومة الاجتماعية بأكملها .
وبحكم عملي في القضاء الجزائي لمدة تقارب العقدين من الزمان، أشهد الله بأنّ جلالة السلطان قابوس رحمه الله، كان يحترم القضاء، ولم يتدخل يوماً من الأيام في أية قضية منظورة، وكم هي المواقف التي أحفظها لجلالته، من بينها حادث سير وقع لشخصية وطنية رفيعة، وقد أصدرت المحكمة حكماً بسجن المتسبب في الحادث شهراً ، الأمر الذي لم يُعجب تلك الشخصية، وبطريقة ما وصل الموضوع إلى جلالته الذي علق على المطالعة المكتوبة بما معناه ” هناك قضاء يختص بالفصل في القضايا “
ويروي أحد المسؤولين، أن جلالته دعا ذات مرة مجلس الوزراء للاجتماع فجراً، بسبب شكوى مواطن من أحد الوزراء، فانعقد المجلس وامر جلالته بإحضار المشتكي، وتبارز الخصمان ، كل واحد منهما يعرض ما لديه من حجج وبراهين، حتى صدر الحسم منه، ولهذا الموقف دلالات كثيرة، حاكم يدعو مجلس الوزراء للاجتماع فجراَ، بسبب مظلمة وقعت على مواطن، لا أظنها تحدث لدى اي دولة تتشدق بالديمقراطية والحرية في العالم المتمدن .
وها نحن نرى، ترسّماً لتلك الخطى المباركة، يخطوها بإذن الله وتوفيقه، جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم .
ونأمل، بإذن الله أن يتحقق في عهده الميمون الجديد ثلاثة أمور :-
الأول :- إنشاء محكمة دستورية
عليا، وهي مطلب شعبي ممُلحّ،
وذلك بعد تنقية وتنقيح
القوانين من عوار المخالفات
الدستورية.
الثاني :- إنشاء المحكمة الإدارية
العليا، ليتحقق التقاضي في
المنازعات الإدارية على ثلاث
درجات، كما هو الحال في
القضاء العادي .
الثالث :- الضرب بيد من حديد،
على أي مسؤول، مهما ادّعى
علوّ شأنه، ومهما كان سببه،
في حالة تدخله في أعمال
القضاء ومنطوقه أحكامه .
وفّقكم الله يامولاي، وجعلكم حامياً للعدالة، وصوناً للضعفاء والمساكين، ودمتم في حفظ الله ورعايته وتوفيقه .