الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
كنّا قد تناولنا في مقالات سابقة، مبدأَين من مباديء الحكم الرئيسة، والتي قام عليها الحكم في عُمان، وثالث هذه المبادئ هو مبدأ المساواة، وهو أيضاً من المباديء التي قررتها الشريعة الإسلامية، فقد قال الله عزّ وجل في كتابه العزيز : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ) ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)، والقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة زاخرة بهذا المعنى، وغيرها من المعاني والقيم الرفيعة، ولهذا قامت نهضة العزة والكرامة في السلطنة، على هذا المبدأ الذي يساوي الإنسان بالإنسان دون تفرقة بينهما، سواءً بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المركز الاجتماعي ، فالجميع أمام القانون سواء ، وكلهم في الحقوق والواجبات على قدم المساواة .
ولقد تجلى رسوخ هذا المبدأ في الخطاب السياسي العماني مع بدايات النهضة المباركة، في كلمة جلالة المغفور له جلالة السلطان الراحل بتاريخ ٢٦ / ١١ / ١٩٧٥ حين قال : ( ومن المفهوم أنّ الناس سواسية كما علّمنا ديننا، وأنه لا فرق بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وأنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ، فإننا نحرص كل الحرص على إقامة العدالة الاجتماعية وفق تعاليم ديننا الحنيف وشريعتنا السمحاء … ) .
وبمناسبة العيد الوطني عام ١٩٩٨م أكد جلالته على ذات المفهوم بقوله : ( لقد نصّ النظام الأساسي للدولة على أنّ ” سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وتنفيذاً لذلك، فإنه وإن كان النظام القانوني قد شهد تطوراً كبيراً خلال الحقبة الماضية، مواكبةً لعملية التنمية الشاملة، ومساندة لها، إلا أننا نؤكد على اهتمامنا باستكمال ما تبقّى من العناصر في هذا المجال خلال الفترة القادمة، وعلى الخصوص فيما يتعلق بتنظيم القضاء على أسس حديثة، من حيث المحاكم واختصاصاتها ، ودرجاتها، والإجراءات القانونية الواجب اتباعها، والتي تكفل حق الدولة في صيانة الأمن والاستقرار، وتضمن في ذات الوقت الحقوق العامة للأفراد والجماعات، مستمدّين العون والقوة من العليّ القدير، الذي أمر بالعدل والإحسان ونهى عن البغي والعدوان ) .
وتعني المساواة أمام القانون، أنه يخاطب جميع الأفراد سواسية دون تمييز بينهم ، ذلك أنّ من خصائص القاعدة القانونية أنها تتصف بالعموم والتجريد، فلا يكون في القانون تمييز لفرد أو امتياز لطبقة أو اضطهاد لفئة أو تحقير لجنس أو إعفاء من تكليف ما دامت الظروف واحدة والقدرات متساوية، وهذا ما أكدت عليه المادة ١٧ من النظام الأساسي للدولة .
كما يترتب على مبدأ المساواة أن يتساوى جميع الأفراد في المثول أمام القضاء، بحيث لا يجري التمييز بينهم في إجراءات التقاضي، وألا يُوصد باب التقاضي أمام بعضهم، وألا تُخصص محاكم لفئات أو طبقات معينة، وألا يُفرق بين الأفراد في توقيع العقوبات عليهم في حالة تماثل الجرائم والظروف التي ارتُكبت فيها.
كما أن من مقتضيات ذات المبدأ، أن يتساوى الأفراد في تولّي الوظائف العامة متى ما تحققت شروط شغل الوظيفة لديهم، وتماثلت المؤهلات التي يتطلبها القانون ، فلا محسوبية ولا تفرقة بينهم، بسبب الثروة أو المركز الاجتماعي .
كذلك يقتضي المبدأ أن يتساوى الأفراد في الانتفاع، او الحصول على خدمات المرافق العامة، ولا يجوز حرمان فئة معينة – أيّ فئة – من هذه الخدمات.
وفيما يتعلق بتحمل الأعباء الضريبية، يجب أن يخضع الجميع من المتماثلين في الثروة والظروف الاجتماعية، في تحمّل عبءٍ متساوٍ من الضرائب ، وذلك مقابل انتفاعهم بالمغانم التي تُقدمها الدولة، ولكن لا يتنافى مع هذا المبدأ فرض الضرائب بشكل تصاعدي، أو بنظام الشرائح، مادامت هذه القاعدة تطبق على الجميع دون تمييز بين شخص وآخر، وبين فئة وأخرى، كما لا يتنافى مع إعفاء أسر الضمان الاجتماعي، أو اصحاب الدخول البسيطة من تلك الضرائب ، شريطة أن يكون ذلك على أساس الاعتداد بقيمة الدخل لا بأشخاص الممولين للضريبة .
وأخيراً تقتضي المساواة، أن يتساوى الكل من المتماثلين في توفّر الشروط في أداء التكاليف العامة التي تفرضها الدولة، ومن ضمن هذه التكاليف، أداء الخدمة العسكرية التي تعتبر واجباً مقدساً يفرضه الولاء والانتماء للوطن، قبل أن يفرضه القانون، فعمان تُفتدى بالدماء والأرواح .