الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
س،ع.. شاب في الثامنة والعشرين من العمر، حضر للاستشارة في العيادة الخاصة، بعد التعريف بنفسه وجه لي هذا السؤال “دكتور،هل شعرت يوماً ما أنك متعلق بشخص بدرجة كبيره بحيث أنك لا تستطيع أن تتخيل حياتك بدونه؟ أو أن تتحرر منه؟ أن يعيش في ذاكرتك طوال الوقت، تسترجع اللحظات التي قضيتها معه وتحلم باللقاء القادم؟”.
صمت لفترة قصيره، كنت أعلم انه لم يكن ينتظر الإجابة مني، فتركته يكمل.
جميعنا بحاجة إلى الحب والاهتمام من الاخرين، كما أن التعلق بالأشخاص الذين يجلبون لنا السعادة امر طبيعي، لكن شعور النشوة هذا قد يتحول إلى شيء مزعج، أحياناً يجد الشخص المتعلق نفسه يشعر مشاعر سلبيه لمجرد تفكيره بأن تلك العلاقة قد تتأثر أو ربما عند حدوث الاختلاف لأي الأسباب، أو عندما تكون العلاقة غير متكافئة أو نتعلق بأشخاص يسببون لنا المتاعب لكننا لا نستطيع التخلي عنهم.
يخبرنا علماء النفس أن التعلق المرضي حالة عاطفية تحدث عندما يربط الفرد سعادته أو قيمته أو شعوره بالأمان بشخص آخر، فيصبح التخوف من فقدان ذلك الشخص أو حدوث فتور في العلاقة هاجسا يسبب القلق والكآبة للمتعلق، أحيانا قد يتعلق الفرد بأحد والديه أو أصدقائه أو يكون التعلق ضمن علاقة عاطفية، وفي بعض الأحيان يصل الامر لدرجة الهوس بالشخص الاخر و ملاحقته وتتبعه في مواقع التواصل الاجتماعي، كما يصنف علم النفس نوع من التعلق يصل الى درج إدمان الشخص الاخر، حيث أن وجود الشخص المتعلق به يعمل على تحفيز مركز المكافأة في الدماغ يعمل على إفراز هرمون الدوبامين وهو ما يعرف بهرمون السعادة فنجد المتعلق يفرح لوجود الطرف الآخر ويحزن اذا لم يحدث اللقاء، ومع مرور الوقت يرغب أن يقضى وقت أطول معه للوصول إلى نفس الدرجة من النشوة تماما كما يحدث عند إدمان المواد المخدرة والسلوكيات الأخرى.
هذا الإدمان قد يظهر على شكل رغبه في تملك الشخص المتعلق به والشعور بالغيرة الشديدة إذا أظهر اهتماماً نحو شخص آخر.
وليس شرطاً أن يكون المتعلق هو الطرف الأضعف في العلاقة فأحيانا يمارس المتعلق دور المنقذ للطرف الاخر، يستمع إليه ويدعمه نفسياً و يتفانى في إسعاده ومنحه الثقة بدرجة مبالغ فيها وينشغل به ويهمل احتياجاته الشخصية، هذا النوع يحدث أحيانا للمعالجين النفسيين في بداية حياتهم المهنية عندما تصل العلاقة بينهم وبين العميل لدرجة متطورة فيقوم العميل بأسقاط شخصية الأم أو الأب على المعالج الذي بدوره ينجذب لهذا الإسقاط فيقوم بالإسقاط المعاكس ويتقمص دور الأم أو الأب لا شعورياً فتجده يهتم بالعميل بدرجة مبالغ فيها، لذلك يجب أن يكون المعالج النفسي تحت إشراف أخصائي آخر أكثر خبره منه يساعده في التعرف على هذه المشاعر والتعامل معها.
تختلف أسباب التعلق، أحيانا تكون الخلافات الاسرية وعدم الاهتمام بالأطفال سبب للبحث عن الحب خارج المنزل وأحيانا يشعر بالخوف من الوحدة أو انعدام الثقة بالنفس أو الرغبة العارمة بتقبل الاخرين له، أو يقوم باختزال الشعور بالأمان بشخص واحد يتشبث به حتى وإن لم يبادله نفس الدرجة من الشعور.
وللتخلص من التعلق المرضي ينصح الأطباء النفسيين بالآتي:
- ابحث عن سبب تعلقك وقم بمواجهته، إذا كنت تشعر بأن أحد الوالدين أو شريك الحياة لا يعبر عن مشاعره تجاهك تحدث معه عن ذلك.
- احرص على ممارسة الهوايات التي تشعرك بالتقدير والرضى عن الذات، مثل ممارسة الألعاب الرياضية.
- اشغل تفكيرك بالقراءة والمطالعة وتطوير الذات.
- تعرف على أصدقاء جدد لديهم نفس ميولك.
- ضع حدود لنفسك، لا تسمح لأحد أن يتخطاها.
- قم باستشارة الطبيب او الأخصائي النفسي إذا لم تستطع التعامل مع التعلق لوحدك.