الصحوة – عيسى بن سعيد الصلتي
ونحن على مشارف تنفيذ رؤية عمان 2040، فأتصور جازما لتحقيق أهداف الرؤية بما يتعلق بالمنظومة الإدارية الحكومية في هيكلتها الجديدة، ضرورة ممارسة مؤسسات الدولة أحدث أساليب وإستراتيجيات الإدارة الحديثة العصرية، والتي منها التمكين الإداري الذي يُعد أحد الإستراتيجيات الإدارية الناجحة في مواجهة التحديات والتطورات والمتغيرات التي تؤثر على المؤسسات والموظف.
والموظف ككادرٍ بشري يُعدُ العنصر والعامل الرئيس في نجاح المؤسسات، فهو من يُحدِث مختلف التفاعلات الإدارية والفنية والاجتماعية والثقافية داخل المؤسسة، وهذا الكادر البشري كالمؤسسة تماماً يواجه تحديات التغيرات والتطورات التي يحدثها التقدم التقني والفكري والعلمي في مختلف المجالات، فلابد للمؤسسة أن تنتبه دوما لهذه المسألة، وتسعى إلى استحداث أساليب وعمليات إدارية وتنظيمية حديثة من شأنها أن تستجيب لتلك التحديات بتعزيز امكانات وقدرات الكادر البشري لديها، فهناك ضرورة ملحة لتمكين الموظف إدارياً؛ ليتمكن من مواجهة التحديات بشكل إيجابي وتفجر امكانته الابداعية وتطور مهاراته وقدراته، خصوصا ونحن على مشارف تنفيذ رؤيتنا الوطنية.
وأستطيع أن أفسر التمكين الإداري وفق تعريفاته النظرية، بأنه عملية إدارية تهتم بالعاملين؛ لتنمية قدراتهم ورفع مستوى المعرفة لديهم واكسابهم المهارات الإدارية والفنية، وفق عملية إدارية تخطيطية منظمة تُعطي الموظف المساحة الواسعة بالمشاركة في اتخاذ القرارات وحل المشكلات وتفويضه بالسلطة والحرية الإدارية الكاملة التي تمكنه من العمل والإنتاج بفاعلية وكفاءة ويحفز لديه السلوك الابداعي في أداء مهامه الوظيفية.
فالتمكين الإداري ينتج عنه السلوك الابداعي لدى الموظف بممارسات إدارية مبتكرة تٌحسن جودة الخدمة والأداء، من خلال
اعطاء الموظف المساحة الواسعة في تحمل المسؤلية بممارسة السلطة بالشكل الإيجابي، بأساليب وعمليات حديثة يراعي فيها تحقيق أهداف المؤسسة والعاملين على حد سواء.
وعلى المؤسسة إتاحة مجالات التمكين للموظفين في جميع مستوياتهم الوظيفية، وبذلك ستتعزز نظرة الموظفين نحو المؤسسة بأنها جزء منهم ومن حياتهم، وسينعكس في رفع مستوى الشعور بالانتماء وبالتالي مستوى الولاء للمؤسسة، وهذا ما نحتاجه في المرحلة القادمة أن يتحقق.
غير أن هناك مؤسسات لا تعلم أن التمكين الإداري يحقق فاعلية السلوك الابداعي لدى موظفيها، أو أنها تتجاهل هذا الأمر لأسباب تظن من خلالها أن تمكين الموظفين ربما يخلق نوعا من التطاول على القيادات العليا، أو شعور القيادات العليا بفقد السلطة المركزية من بين أيديهم، لذا على هذه المؤسسات أن تعلم بأن السلوك الابداعي هو الطريق الصحيح للمؤسسات؛ للوصول نحو آفاق أرحب وأشمل في عالم الأعمال والاقتصاد والخدمات وغيره من القطاعات التي تعمل فيها المؤسسة.
والتمكين الإداري بخلاف ما يظنه بعض القيادات في بعض المؤسسات بأنه سوف يسحب بساط النفوذ والسلطة، فالتمكين الإدراي يزرع الثقة في العاملين بأنهم شركاء مهمين في المؤسسة بالمشاركة في صنع القرار واتخاذه في تحقيق أهداف المؤسسة وتطورها ونموها، وأنهم ذو قيمة عالية في مؤسستهم، ومن خلال تمكين الموظف سيقدم أفضل الخدمات بكفاءة وفاعلية.
وبالتمكين الإداري سيتغلب الموظف والمؤسسة على الممارسات البيروقراطية من خلال ممارسة مبدأ تفويض السلطة من قِبل الإدارة العليا، الذي يكسب الموظف مهارة التخطيط، والتنظيم، والرقابة، والتنسيق، واتخاذ القرار، وتحمل المسؤوليات؛ وبذلك تكسب المؤسسة وجود صف ثان فيها يستطيع قيادتها في أي ظرف استثنائي ومستقبلي.
فالتمكين الإداري يُعد أسلوبًا من أساليب الإدارة الحديثة، وتطبيقه يٌعد الإستغلال الأمثل للموارد البشرية، ويساعد في تغيير المناخ التنظيمي للمؤسسة، ويحقق مبدأ تكافوء الفرص في المناصب القيادية في الإدارة العليا، واختيار المناسب في المكان المناسب، ويُعيد هندسة العمليات الإدارية والفنية، فهو الطريق نحو المستقبل والمنافسة، ويجعل من المؤسسة أنها ذات مرونة وتكيف مع المتغيرات والتطورات العالمية في شتى مجالاتها.
وختاما، فإن تطبيق الأطر النظرية لوثيقة رؤية عمان ٢٠٤٠ في منظومة العمل الوطني المؤسسي واقعًا إداريًا، يتطلب ممارسة الأساليب الإدارية الحديثة المتجددة، وانتهاج التمكين الإداري أداة وأسلوبا، من خلال التأهيل والتدريب اللازمين لموظفي المؤسسة، ورفع مستوى الدافعية لديهم نحو تطوير مهاراتهم، ونكران الذات لدى الإدارة الوسطى والعليا والعمل بروح الفريق الواحد؛ وبذلك تخلق المؤسسة بيئة عمل يتسم موظفوها بالسلوك الابداعي.