الصحوة – مصعب بن خميس الشكيلي
نحاول اليوم جاهدين على أن نعيش على ما تربّينا عليه من الدين والأخلاق، باعتبارها ثوابت ومباديء لا تزلزلها مصلحة، ولا تنخرها شهوة.
هكذا كانت رؤيتنا وتصوراتنا للحياة، فضلى ونموذجيةً، ولكن فوجئنا لمّا كبرنا واصطدمنا مع واقع العالم المفتوح، هالنا ذلك البون الشاسع، والفجوة العميقة ما بين عالم ( الأمس) وعالم (اليوم)، عالم الفضيلة الجميل، والعالم المغاير المنقلب .
كانت ردّات أفعالنا، ويا للعجب، متدرجة في التهاون، فما رأينا من مخالفة ما تربينا عليه، أنكرناه في باديء الأمر.، أغرى بعضَنا فاستطابه، ومنا من ذاق طعمه فمجّه ولفظه، لكن هذا الرفض، لم يكن بالقوة التي تمنع ظهوره، ثم بعد ذلك انتشاره والقبول به كأمر واقع.
تطور الأمر، إلى جرأة على نكران المعلوم من الدين، ومخالفة ثوابت الأخلاق، وأصبح من البديهي أن لا يُنكر عليه صغير ولا كبير، بل أصبح إنكار ذلك تخلّفاً ورجعية.
عرفنا فيما بعد أن هذا نتاج الفكر الغربي وقد غزانا، وثمرة المدنية الزائفة فزال عجبنا.
من عجيب رحمة الله بي وجميلها، وأنا غارق في التفكير بما آلت إليه الأخلاق من انحطاط، ومن تهاون في الدين، أن وفقني لقراءة مقالة للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، زادت ما عندي من العجب، ولم يصح معي المثل العربي القائل: إذا عُرف السبب بطل العجب”. فإن الشيخ كتب المقالة عام ١٩٤٧م. أي قبل ٧٣ سنة من الآن ونحن في ٢٠٢٠م. ذكر فيها من المآسي الأخلاقية ما طاش له عقلي. إذ لا يُعقل كلام الشيخ وهم في تلك السنين ولم تغزهم بعدُ التكنولوجيا، ولم تهجم عليهم الشهوات سرًا وعلنًا من بين أيديهم ومن خلفهم. فيتعسر الصراع معها، وتصعب الرقابة عليها، وتميل القلوب لها، وتضعف النفوس معها. كيف؟. وكيف وهم بعيدون عن الآخر ولم تتقدم بهم التقنية، كما هي الحال اليوم؟.
ذكر الشيخ تصدع الأسرة، وتفرق ما بينها، وخروج النساء في الطرقات، وإلى الأسواق والسينمات، ومعاشرة الشبان، وذكر عزوف الشباب عن الزواج، والإقبال على السفاح. فتعجبت أشد العجب من هذا الوصف. إذ بي كأن الشيخ يتحدث عن وقتنا، ليس عن عام ١٩٤٧م. فكيف بنا الحال اليوم؟.
وقع في نفسي أن الشيخ ربما بالغ في وصفه، وقد حُقَّ له ذلك. إذ كيف انقلب الأحياء أمواتًا، والصالحون جهّالا، والعفيفات سافرات، والزواج سفاحاً،والخمر مشروب روحي، والأذية حرية، ووقع في نفسي أيضًا أن النموذجية والفضيلة التي كانت عليها البلاد، هي ما جعلت الشيخ يُكبر ما يرى من شاذة وفاذة عن الأخلاق. لا يأتي فساد الدين والأخلاق دفعة واحدة، ولكن تنحل خصلة خصلة. وأن ما نحن عليه اليوم هي الثمرة اليانعة لتلك الثمرة الغضة. ونحن نُكبر ونُجلُّ المقبل على الزواج، وطالب العفة، والمتحجبة والصالحين لندرتهم. عكس ما كان عليه الشيخ من إكبار انتشار الخطيئة لندرتها، وأمر طبيعيٌ عندنا. فكيف كانوا؟ وكيف صرنا وأصبحنا؟
إني لا أنكر على الشيخ مبالغته إن كان مبالغًا، ولا أُنكر إنكاره تحول الأخلاق، ونقصان التدين، وإن كان دقيقًا؛ فهذا ما يجب أن يكون عليه الحال ونحن مسلمون، والقرآن بين ظهرانينا. نُنْكر الخطأ ونسعى لتصحيحه، ونُجلّ الفضيلة ونُشِيعها فالمسلم مرهف الحس، دقيق الشعور إذا مُسّت حرمات الإسلام انتفض لأجلها نصرةً وتوقيرًا. وكذا جاء الوصف في الكتاب العزيز:”إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون”. ولا يأتِينا قائل يقول: إن في الأمر مبالغة ولا يضر المسلمين إن زنى منهم رجل أو شرب الخمر أو خرجت فيهم امرأة سافرة، مدّعياً الحرية والتقدمية والحالة الجديدة للعالم، فإن المسلمين تقدموا وانتصروا ضمن مفاهيم الحرية والالتزام الديني والأخلاقي، ولذا فإننا نرفض هذا التبلد نتيجة لعنة المدنية الغربية، ونحن مسلمون، وللإسلام معايير خاصة. فالمسلمون أمة تقود ولا تُقاد. ولا يجوز إخضاع الأمة لمعايير وضعية لأمة أخرى، فكيف إن كانت معايير أخلاقية ! والسلام عليكم .