الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
أعزائي المتابعين، أصدقكم القول أنني كنت أتجنب الوصول إلى هذا الرقم من المقالات الخمسين، فقد توقف بوح القلم واختلطت مشاعري فرحاً وحزناً، فرحاً بحلول هذه المناسبة العظيمة العطرة المجيدة، التي ننتظرها بشوق جارف وقد اكملت عقدها الخمسين وهي في أبهى واحلى صورها، وقد تعهّدها الهيثم المعظم حفظه الله ورعاه بالتجديد، فهي في أيد.ٍ أمينة، هذا من جانب، ومن جانب آخر، حزناً تكابده النفس والقلب بغياب وفقْد من أرسى وأسّس هذه النهضة المباركة وفجرّ طاقاتها واعاد لعمان عزها ومجدها وحضارتها، واعاد للعماني شموخه وحريته وكرامته .
وأنا في خضمّ هذه النوازع التي تتجاذبني، إذا بصوت يناديني من مسقط وصلالة وصحار والرستاق ونزوى ومنح وعبري والبريمي وإبراء وصور وهيما وخصب، وكافة ربوع السلطنة، جبالاً وسهولاً وودياناً، البوادي والحواضر، تناديني بصوت يقرع آذاني، تستنكر عليّ استسلامي وسماعي لتلك النوازع، وتطالبني أن أكتب وأسطّر أروع الكلمات في حب وعشق عمان، والفارس الشهم، فهو إن كان قد غاب عنّا جسداً، لكنّ روحه ستظل خالدة في قلوب العمانيين، وقد سجل التاريخ سيرته العطرة بأحرفٍ من ذهب، ستتناقلها وترويها أجيال وأجيال، فالإنسان وإن مات، لا تموت أعماله الخيرة لدى أبنائه، وجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيّب الله ثراه واسبغ عليه رحمة واسعة، كان الشعب العماني كله أبناءه ، وإذا كنّا لم ننسَ صنائع من سبق مثل الجلندى وجيفر، والجلندى بن مسعود، والإمام ناصر بن مرشد اليعربي وسيف بن سلطان قيد الأرض ،وأحمد بن سعيد البوسعيدي ، والسلطان سعيد بن سلطان صاحب الإمبراطورية العمانية، فكيف لنا أن ننسى قابوس، الذي أيقظ أمة، وأعاد إحياء حضرتها، وبنى دولة كانت مطموسة مطمورة في ظلمات الفقر والجهل والمرض، وسما بشعبها فألفّ بين قلوبهم بعد أن كانوا في سبلٍ متفرقة، تحسبهم عمانيين ومصالحهم وقلوبهم شتّى .
سطّر، هكذا تخيّلت النداء، فعمان ليست ناكرة للجميل، أو جاحدة للمعروف، فمن تربى على فضائل الأخلاق لم ولن ينسى كريم الشمائل، عظيم الفضائل، حكيم الرجال، حلو المعاني، أصيل الخصال، حبّ عمان والعمانيين حياً وميْتاً، جلالة المغفور له السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، لكنها سنة الكون يذهب الأشخاص وتبقى الدول، ويأتي أشخاص أخرون ليعمروها
اكتب فعمان باقية بقاء الكون، تتعاقبها أجيال ثم أجيال، لا خلود للبشر، وإلا كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، أولى بالخلود، صبرنا واحتسبناه عند الله في منازل الصديقين والأبرار، ولن نغضب الله بأقوال وافعال وكأنها اعتراض على قضائه وقدره، فالقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى .
إنّ جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور رحمه الله، كان من أشدّ المؤمنين بحقيقة القضاء والقدر، وأنّ لكل أجل كتاب، فخط بيده رسالته لمجلس العائلة المالكة الكريمة، يشير فيها بمن يخلفه في الحكم بعد موته، وهذه فعائل المؤمنين حقاً .
عمان ونهضتها المباركة العظيمة، هي اليوم أمانة في أعناقنا جميعاً، وفينا المجدد لها ومن أشار به السلطان الراحل ليكون خلفاً له جلالة السلطان الشهم صاحب الهمة العظيمة الهيثم المعظم حفظه الله بحفظه، وحرسه بعينه التي لا تنام ويسّر له سبل التوفيق والسداد، ليواصل المسيرة المظفرة بحول الله وقوته.