الصحوة – د.حمد بن ناصر السناوي
في أواخر التسعينات برزت ظاهرة تليفزيون الواقع في العديد من الشاشات الغربية من أشهرها برنامج “الأخ الأكبر” الذي بدأ في بريطانيا، ثم سرعان ما تم إنتاج نسخ له في دول آخرى، فكرة البرنامج تتلخص في وجود عدد من الشباب الذكور والإناث في منزل لمدة ثلاثة أشهر معزولين عن العالم الخارجي بحيث تلتقط الكاميرات المنتشرة في جميع أنحاء المنزل كل تفاصيل حياتهم اليومية لبثها في قناة خاصة؛ ليقوم المشاهد بمشاهدة ما يحدث طيلة اليوم، بل حتى عندما يدخل الأفراد إلى النوم تقوم الكاميرات ببث صورهم، وكل أسبوع سيصوت المشاهدون؛ لاستبعاد أحد المشاركين، والشخص الذي يبقى في النهاية يفوز بمبلغ 500 آلف دولار. تفاعل المشاهدون مع هذه البرامج وانهالت التقارير اليومية على مواقع الانترنت والصحف اليومية تناقش تفاصيل البرنامج وتبرز شخصياته الذين تحولوا إلى نجوم مشهورين يتناقل المشاهدين تفاصيل حياتهم.
لم يتوقف الأمر إلى هذا الحد، بل ظهرت برامج حوارية عديدة تعتمد على مقابلة أشخاص عاديين ونشر مشاكلهم الشخصية ومواجهتهم بأحد أفراد أسرهم؛ ليقوموا بالجدال والعراك أحيانا واتهام بعضهم البعض بالخيانة والكذب وغيرها، كل هذا أمام جمهور من الحضور وآخر يشاهد على التلفاز مستمتعا بالردح والشتم الذي يعرض أمامه، شامتا أحيانا، وأحيانا أخرى مطمئنا؛ لأن هناك من هو أكثر تعاسة منه، ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات مثل: التيك توك أصبح العديد من الأفراد خاصة المراهقين يستطيع أن يحصل على المتابعين والاعجابات بعد نشر فيديوهات قد يكون محتواها سخيفا أو ربما خادشا للحياء فقط؛ من أجل الشهرة والربح السريع والحصول على اهتمام الأخرين حتى ولو كان عن طريق الانتقاد الجارح أحيانا والذي قد يؤثر سلبًا على صحتهم النفسية، لكن الحافز أكبر من ذلك، فتجدهم يواصلون نشر المقاطع وتقديم الاستعراضات مجانا؛ من أجل البقاء تحت الأضواء. ولا ننسى أن بعض المجتمعات تشجع هذه السلوكيات فكم من عارضة أزياء أو ممثل إعلانات مغمور تسلق سلالم الشهرة والثراء دون الحصول على التعليم أو مهارات الحياة الأخرى.
يخبرنا علم النفس أن ظاهرة استغلال مشاكل الآخرين كطريقة للهروب من الواقع أو تخدير الجمهور من التفكير في مشاكله من السلوكيات القديمة، فقد أقام الرومان حلبات المصارعة وأنفقوا الأموال في شراء العبيد وتدريبهم ليقتصر دورهم على الترفيه عن عامة الشعب بالقتال العنيف الذي ينتهي بموت أحدهم أمام أعين الحضور الذين يشجعون القاتل ويهتفون له في نشوة عارمة تنسيهم واقعهم الأليم.
السؤال الذي يتبادل إلى الذهن، لماذا يقوم الأشخاص بعرض مشاكلهم الشخصية أمام الجمهور؟ يقدم لنا علم النفس بعض النظريات السلوكية والتي تتمحور حول حب الشهرة والظهور أمام الناس مهما كانت العواقب، ورغم أن المشاركين في مثل هذه البرامج يحصلون على الأموال، لكن الدافع لا ينحصر في الجانب المادي بل يشمل أهداف داخلية آخرى، مثل: الشعور بالتميز وأن الاخرين يجب أن يشاهدوا مهارات الفرد، أيضا البحث عن الشهرة والشعور الداخلي الذي يصاحبها، والظهور أمام الأضواء، والحصول على اعجاب الناس مهما كان الثمن، كما تذكر بعض النظريات أن بعض المشاركين في تلفيزين الواقع يعانون من أعراض الشخصية النرجسية التي تتمحور حول حب الذات والبحث عن إعجاب الاخرين.
حفظ الله الجميع من كل سوء