الصحوة – ظافر بن عبدالله الحارثي
بالرغم من قسو قانون الجزاء على الموظف العام أو موظفي السلطة العامة الذين يتجرأون على مخالفة القواعد القانونية، ويقدمون علىالإتيان بكل سلوك يخل بأداء الوظيفة العامة، أو يقلل من احترامها والثقة بها، أو كل فعل من شأنه ازدراء حقوق المواطنين وحرياتهم، الذيعادةً ما يتمثل في شكل جرائم الموظفين (كجريمة الرشوة)؛ إلا أن في المقابل أقر القانون وامن حماية قصوى لهم وللوظيفة العامة حتىيضمن سير المنظومة بصورة سليمة من ناحية، وتوافر كل سبل الطمأنينة للقائمين عليها من ناحية أخرى، لاسيما في الحفاظ عليهم منالاعتداءات المادية أو القولية.
واقعيًا، يعد الاعتداء القولي هي الصورة الأكثر تواجدًا في حياتنا مع الأسف إذ كنا بصدد الإشارة للإعتداءات، خصوصًا تلك التيتستقصد الموظف العام، وذلك على اعتبار استصعاب الإعتداء المادي للجاني مع وجود أجهزة المراقبة ومجموعة من أفراد الأمن في المنشآتوالمباني العامة؛ ومن أشكال الاعتداء القولي: ١/الإهانة ( وهي كل قول أو فعل بحكم العرف فيه ازدراء وحطا من الكرامة في أعين الناس)، ٢/ التهديد (وهو زرع الخوف في نفس من وجه إليه التهديد، من خلال الضغط على آرائه وتخويفه من أن هناك ضررا سوف يلحق به)، ٣/ القذف(ويتحقق من خلال احتقاره بأي وسيلة من وسائل التعبير)، ٤/ السب (وهو كل معنى يتضمن خدشًا لشرف شخص معين واعتباره، ووصفبنقص أخلاقي).
إن سمعة الشخص، وكرامته، واعتباره، والمكانة الاجتماعية للأفراد هي محل الحماية وهلة التجريم في جريمة الاعتداء على السلطة، فضلاعن كونه حقًا أصيلا للإنسان يستمد أساسه من الشريعة الإسلامية، والقواعد الأخلاقية، والنظام الأساسي (القوانين)؛ وذلك تحت أي ظرف،وهذا يفسر سبب إقرار القانون حق التقاضي للناس حرصًا على إتباعهم إجراءات قانونية منظمة لأخذ الحق، وإيجاد سلطة تنفيذية وأجهزةأمنية مهمتها الحفاظ على الامن والنظام لتجنب كافة مسببات الفوضى وعدم الاستقرار، وإرساء العدل والمساواة دون الإلتفات لعناصرالتمييز لضمان ترسيخ دولة القانون والمؤسسات ؛ والجدير بالذكر أنه تأكيدًا على أهمية هذا الحق، اعتمد المشرع بأخذ المعيار الموضوعيأثناء تشريعه لهذه الجريمة دون اقتصاره على شكل محدد.
يشترط المشرع في هذه الجريمة أن يكون المجني عليه موظف عام، كما تشدد بالعقوبة إذا كان السلوك الإجرامي قد وُجه لأحد أعضاءالسلطة القضائية أو هيئة المحكمة، أو المنتمين للسلطات الأمنية والعسكرية، كما أدخل ضمن هذه الفئة المحامين وهذا ما أكد عليه قانونالمحاماة، وفي المقابل لم يكتفي المشرع بالسلوك الإجرامي وحده، بل استلزم وقوع هذه الأفعال بشكل علني أو بالنشر، ويعد من ضمنعلانية:- أ/ القول أو الصياح والجهر في جمع أو مكان عام أو مكان متاح للجمهور، ب/ الأفعال أو الاشارات أو الحركات، ت/ الكتابة أوالرسوم أو الصور أو الرموز أو المواد المسموعة أو المرئية أو المقروءة أوغيرها من طرق التعبير؛ كما يتطلب القانون توافر القصد العام والذييتمثل في بعلم الجاني بالواقعة واتجاه إرادته إلى ذلك.
والجدير بالذكر أنه من خلال قراءة نصوص قانون الجزاء وبالتحديد المواد الخاصة بهذه الجريمة نستنتج أن المشرع قد أباح حق النقد ضدالموظف العام تحقيقا للمصلحة العامة، وهو النقد القائم على تقييم عمل أو أمر لبيان عيوبه دون المساس بصاحب الأمر أو العمل، ويأتي ذلكتحقيقا لتفعيل المراقبة الشعبية، والحفاظ على المصلحة الأجدر بالرعاية، فالبرغم من أن النقد يدخل ضمن السلوكيات التي عاقبها القانون إلاأن إذ ما اقترنت عباراتها وألفاظها بأعمال الوظيفة العامة دون صاحبها وحياته، وأثبت الجاني صحة تلك الوقائع بالدلائل مع وجود حسنالنية لا يعتبر ذلك من قبيل السب والقذف، ومن ثم يعفى من العقاب.
نصوص قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٢٠١٨/٧:( ١٩١، ٣٢٩، ٣٣٣، ٣٣٤).