الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
ظلّ مجلس عمان بغرفتيه وعلى مدار ثمان سنوات يطالب الحكومة بإصدار قانون له ، فيما التزمت الحكومة الصمت عامدة، لأنها تعلم أنّ التعديلات التي جرت على النظام الأساسي للدولة السابق في عام ٢٠١١م، لم يفوّض المشرّع العادي لإصدار مثل هذا القانون، إذ لا يوجد نصٌّ واحد يُحيل إلى القانون على الإطلاق، وتعمد هذا الصمت يأتي لمجاراة مجلس عمان في تمنياته وآماله، فالحكومة تعلم، وهي في هذا محقة، أنّ النظام الأساسي للدولة القديم كان وفق المادة ٥٨ مكرر ٢٥ ، يفوّض مجلس عمان بغرفتيه الدولة والشورى بوضع كل منهما لائحته الداخلية على حدة؛ إذ فصلت المادة المذكورة مجال اللائحة، بما فيها تنظيم الاستجواب بالنسبة لمجلس الشورى.
ورغم هذا التفويض الدستوري لمجلسي الشورى والدولة، إلا أنّ الحكومة وبفذلكة التفافية لتفسير المادة السابق الإشارة لها، ولكي تتخلص من التزاماتها الدستورية تجاه المجلسين، تمسكت بالقول، بأنّ لائحة كل مجلس لا يجاوز حدودها أسوار كل مجلس منفرداً، وهو قول لو يعلم صاحبه خطورته لما أقدم على إخراج هذه الكلمات من شفتيه، فعلى تلك المقولة محاذير خطيرة ، فلو سايرناها، فهذا يعني بأنّ كل تفويض يصدر من المشرّع الدستوري أو من المشرّع العادي لجهة ما بإصدار لائحة ما، يكون الإلتزام بها لا يتخطى تلك الجهة . ولنتصور بعد ذلك الفوضى التي ستخلقها هذه الفذلكة التفسيرية الذي ظلّ صاحبها يُرددها بكل فخار، دون اعتبار لمخاطرها القانونية .
وهكذا بقي المجلسان أسيرَين للتفسيرات التي تخرج عن الحكومة، وكأنهما دائرتان تابعتان لجهة حكومية تتلقيان التعليمات والأوامر، وليس أمامهما إلا الانصياع والتنفيذ، لتمشي المراكب السائرة دون قياد ، خاصة في ظل عدم وجود جهة دستورية تفصل بين الطرفين .
وبعد صدور النظام الأساسي للدولة الجديد خلا من بعض النصوص التفصيلية الخاصة بمجلس عمان، فكان من الطبيعي أن يُحيل المشرّع الدستوري إلى المشرّع العادي لإصدار قانون مجلس عمان لتفصيل المجمل، وما لم يتضمنه النظام الأساسي للدولة الجديد، فاستبشرنا خيراً بتوسعة صلاحيات مجلس عمان وبالخصوص مجلس الشورى المنتخب، خاصة في مجال الرقابة البرلمانية.
وكم كانت مفاجأتي شديدة، وصدمتي هائلة، عندما اطلعت على قانون مجلس عمان بعد نشره، حينما أدركت بأنّ جل نصوصه منسوخة من النظام الأساسي للدولة السابق، سواءً فيما يتعلق باختصاصات المجلسين الدولة والشورى في مجال التشريع، وخاصة في مجال اقتراح مشروعات القوانين من قِبلهما، إذ عالجها وكأنها مشروعات محالة من الحكومة، مع العلم أنها سترسل لها لصياغتها والإضافة والتعديل والحذف حسبما يتراءى لها، ثم ستأخذ دورتها من جديد بصفتها مشروعات محالة من الحكومة، مما يعني أنّ مقترح مشروع قانون قد يأخذ فترة كاملة أو أكثر من عمر مجلس عمان.
وفيما يتعلق بشروط الترشح لمجلس الشورى، لم يتغير ساكن منها، حتى ذلك الشرط المتعلق بالحالة الأدبية للمترشح ، إذ يشترط أن لا يكون محكوماً عليه بعقوبة جنائية أو جنحة مخلّة بالشرف والأمانة، حتى ولو رُد إليه اعتباره، وعبارة “ولو رُد إليه اعتباره ” معناها حرمانه من الترشح مدى الحياة، ولا أدري من أين تمّ استلهام واستقدم هذا الشرط، مع العلم أنّ رد الاعتبار يؤدي إلى زوال الجرم نهائياَ من صحيفة سوابق الشخص، ويكون في هذه الحالة وكأنه ولدته أمه من جديد، والحق أقول، إنني لم أجد نظيراً لمثل هذه العبارة على ما أعلم في التشريعات البرلمانية، هذا جانب، ومن جانب آخر، فإنّ الملاحَظ في الشروط المتطلَّبة في مَن يعيَّن وزيراً، هما شرطين فقط، الأول، أن يكون عماني الجنسية، والثاني، بلوغه سن الثلاثين من العمر .
وللأمانة فإنّ قانون مجلس عمان اعترف بالأدوات الرقابية، ولأنّنا عندنا حساسية مفرطة تجاه الحكومة، فقد غيّر القانون حتى تسميتها المتعارف عليها دولياً فاطلق عليها ” أدوات متابعة أداء الحكومة “، مالكم كيف تحكمون يا من صاغ القانون، وليست المشكلة تكمن في هذه النقطة فحسب ، ولكن أيضاً في الإجراءات المقيدة لاستعمالها، وسأضرب مثالاً على ذلك بالاستجواب، إذ يشترط لتقديم طلب الاستجواب توقيعه من خمسة عشر عضواً، وهو عدد كبير مقارنة بالقوانين المقارنة، فأغلبها تكتفي بتقديمه من عضو واحد، فيما الدستور البحريني اشترط خمسة أعضاء، والشرط الثاني يجب أن يحوز الاستجواب على موافقة مكتب المجلس، ثم عرضه على هيئة المجلس وموافقة أغلبية الأعضاء الحاضرين عليه، في حين أنّ الأنظمة النظيرة لا تتطلب هذين الشرطين الأخيرين .
إنني من دعاة الشورى الراشدة والديموقراطية المنضبطة، التي تعين وتصحح، وتسائل عندما يكون هناك وجهاً للمساءلة، وهذا ما ينادي به مولانا جلالة السلطان الهيثم المعظم حفظه الله ورعاه.
وهنا لا بُد من الإنصاف لمقامه السامي، فبالقطع عهد بهذه المهمة لأشخاص توسم فيهم الإخلاص والأمانة للوطن، وأنهم استوعبوا فكره ورؤيته للمرحلة القادمة، التي يتطلع لها جلالته أبقاه الله، ويتطلع إليها شعبه الذي يدين له بالطاعة والولاء، لكن يبدو أن البون شاسع بين سموق فكر ورؤية جلالته وتطلعاته، وبين هؤلاء الذين لا تزال أفكارهم جامدة، لا تستطيع استشفاف المطلوب، ولا مجاراة التطور، وحاجة المرحلة الجديدة.