الصحوة – غصن الحارثي
يفترض الكاتب أولدينبرغ عالم الاجتماع الحضري والأنثروبولوجيا في جامعة غرب فلوريدا فلسفة المكان الثالث، والتي تعني أن في حياة كل إنسان ثلاثة أماكن يذهب إليها دائمًا، البيت ومقر العمل ومكان ثالث. والمكان الثالث قد يكون مقهى، أو مكتبة، أو حديقة، أو غيره. وبحسب فسلفة أولدينبرغ فإن هذا المكان يكون مميزًا لدى الإنسان، وهو مساحة محايدة للشخص في التفكير بعيدًا عن المؤثرات الأخرى، سواء كانت مؤثرات مهنية ناتجة عن الإلتزام الوظيفي، أو مؤثرات اجتماعية نتيجة البيئة الأسرية، والمراتب الاجتماعية المتعلقة بالدور داخل الأسرة والمجتمع.
وفي المكان الثالث فأنت مع نفسك ولست معرضًا لأي مثير خارجي، فهو يعد أكثر الأماكن ألفة بالنسبة لك، يبقيك على اتصال مع نفسك بالصورة الواقعية، وفيه تشعر بأنك في منزلك، كما يشعرك بالاحتواء لتعبر بسهولة عما في داخلك. والمكان الثالث هو أكثر المناطق المريحة لإبداء الرأي، فهو بيئة خصبة للنقاش والتعبير عن مجمل ما يجول بخاطرك، وفيه تشعر بحاجتك للتعبير أكثر من مجرد محاولة للنقاش عن قضية أو موضوع ما، وفيه تكون ضمن جماعة تحاور، وتكتسب، وتفكر، وتشعر، وتعيش، وتنتمي.
ووجود المكان الثالث في حياتك شيء مسبق لا تستطيع أن تشعر به، كما أنه وجد منذ زمن سابق إلا أنه حين خرج على الناس بمصطلح المكان الثالث بدا وكأنه شيء مختلف وجديد. أما شعورنا برغبة وجود المكان الثالث جاءت لتخفف عبء الحياة عن الطبقة الكادحة، وتلامس أطر الحياة المختلفة للإنسان فيعيش فيها جانبًا مختلفًا من شخصيته ويتعايش مع واقع يرغب به.
وفي ثقافتنا العربية كان لابد من أن يخرج المكان الثالث من التجمعات العربية التي اشتهر بها، التي كانت تضج بالثقافة المختلفة، وهنا ظهرت الأسواق والمقاهي القديمة في الوطن العربي لتتناول فقرة التبادل الثقافي ومراكز عرض الرأي ومناقشة القضايا. وكانت هذه التجمعات تضج بالثقافة القديمة والجميلة، والأحاديث بكلمات أنيقة تشتهر بها الثقافة العربية ولغتها، وكانت تلك الجلسات مواطن تعبير مميزة لتناقل الفكر بالشعر، والنثر، والأحاديث الرصينة في كل حوار.
فعلينا أن نحسن انتقاء المكان الثالث لأنه المؤثر الأقوى في حياتنا، والباعث للتجديد في عرض الفكر ومناقشة العقل، كما أنه المتنفس الأقرب لأرواحنا، وانتقاء الشخص لهذا المكان يعبر تمامًا عن شخصيته المتكونة فيه، كما يعد الأكثر تأثيرًا في شخصيته ونشاطه.