هاجر بنت جمعة اليحيائية
كان التعمين ولا يزال فرصة خصبة لإحلال الكوادر العمانية محل الوافدة في الأعمال الحكومية أولا والخاصة والمشاريع المؤقتة والدائمة ثانيا، و يأتي ذلك إيمانا بالتأهيل الأكاديمي الذي يمتلكه العماني كغيره من الموظفين من مختلف الجنسيات، وأحقيته باستثمار طاقاته في الوطن، والحرص على توفير فرص عمل مقابل أعداد الخريجين الهائلة من مؤسسات التعليم العالي المختلفة والتي تتجاوز بكثير فرص العمل والوظائف المطروحة لها، كما إن الفرص التي تطرح للمواطن في الوطن في هذه المؤسسات من خلال عملية التعمين تمنحه الخبرة الكافية للمستقبل للعمل في عدد من المشاريع المستقلة والاستثمارية داخل البلاد وخارجها.
وقد مر التعمين بمسيرة طويلة بين القبول والرفض وبين الزيادة والنقصان وذلك اعتمادا على الوظائف المطروحة وإيجاد الكوادر المناسبة لها، بالإضافة لوضع الدولة الاقتصادي، وعدد من التحديات التي سأطرحها لاحقا في النص، وقد بلغت سياسة التعيمن في القطاع الخاص مع نهاية عام 2016 للميلاد ذروتها في مجال الوساطة المالية بنسبة 80.5%، تليها مجالات المياه والكهرباء والمياه بنسبة 74.4% فمجالات التعدين واستغلال المحاجر بنسبة 60.8%، وعن القوى العاملة في مجال الوظائف القيادية والإشرافية في القطاع الخاص فقد ارتفعت من 5781 موظف بنسبة 14.3% في عام 2010م إلى 11672 موظف بنسبة 22.8% في نوفمبر 2016، ولكنها تعتبر نسبة ومؤشر متدني جدا مقابل 34559 موظف وافد بنسبة 85.6% في 2010 و39404 موظف في 2016 بنسبة 77.1%، خصوصا إنها مناصب مهمة لأصحاب القرار فيما يخص الاستثمار في الدولة والقرارات فيها. ملاحظة: الأرقام من جريدة الشبيبة بتاريخ 16 يناير 2017
وتتمثل أبرز التحديات التي تواجه الدولة في تطبيق سياسة التعمين على مستوى المؤسسة نفسها في اختيار الوظائف التي سيتم تعمينها أولا ومن ثم البحث عن المواطنين بنفس مستوى الخبرة أو يفوقها -إذا كانت من الوظائف المستحقة للخبرة- أو نقل خبرة الموظف السابق للمستجد وانهاء خدماته، وتتردد المؤسسة في التعمين إذا ما استحق الموظف الجديد مستحقات مالية تفوق مستحقات الموظف السابق خوفا من اختلال ميزانيتها السنوية لأن مؤسسات القطاع الخاص مؤسسات ربحية بالدرجة الأولى لذلك لا تخضع بسهولة لأي سياسات أو قوانين ممكن أن تتسبب في استهلاك ميزانيتها في غير مجال الاستثمار المعتاد، أيضا الاهتمام بمستوى الأداء والإنتاج ومتابعته منذ بداية التوظيف حتى فترة الملاحظة.
وعلى مستوى المواطنين أنفسهم، يعزف بعض الباحثين عن القطاع الخاص وذلك لغياب معظم الميزات وتكثيف المهام الوظيفية وتأخر الامتيازات لسنوات من الخدمة، أو لربما بسبب غياب الهوية الوطنية عن هذه الشركات الخاصة والتي تكون –عادة- من استثمارات أجنبية خارجية تدار من قبل وافدين بصورة بحتة والتي –قد- يحس فيه المواطن ببعض الغربة والابتعاد عن تفهم ظروفه وذلك لأن الاهتمام الكامل باستثمارات الشركة وربحها يأتي أولا.
ولا يخفى علينا أيضا عزوف المواطنين عن بعض الوظائف رغم عدم امتلاكهم للمؤهلات التي تتيح لهم الفرص للعمل في وظائف مختلفة ومرتفعة نوعا ما، حيث تشكل نسبة الباحثين عن عمل من حملة شهادات الدبلوم الجامعي والبكالوريوس وما فوقهما ما يقارب 70% من أجمالي الباحثين تبعا لآخر تحديث في أبريل *2017، وبالتالي عدم تقدمهم لها، بيد أن معظم المؤسسات مارست التعمين من قاع الهرم الوظيفي –ولربما- من الصعوبة بمكان إن لك يكن من المستحيل وفق هذه المعطبات الحالية أن يصل إلى قمته أو ما دونها يوما! *الإحصائية من أثير، 22 إبريل 2017.
وتعقيبا على هذه التحديات كان لزاما علينا طرح الأفكار والمقترحات في مجال سياسة التعمين لتساهم في حل مشكلة قلة الوظائف أمام الباحثين عن عمل، منها تنظيم عمل الشركات والاستثمارات الأجنبية بفرض نسبة تعمين في كل مستوى وظيفي موجود في هذه الشركة، وليس مستوى دون آخر، بل لابد من إشراك أصحاب المؤهلات باختلافها في الشركة وبالوظائف المناسبة لهم، ورفع مستوى ميزات الموظفين المواطنين وزيادة الاهتمام بخبراتهم ومهاراتهم من خلال البعثات التدريبية للخارج والاندماج مع الاستثمارات الخارجية في نفس المجال.
كما وأطرح فكرة المشاريع المؤقتة، وأستهدف بها الشركات ذات المشاريع المتعددة التي تعمل في المشاريع واحدا تلو الآخر مما يتسبب في تأخير بعض المشاريع لحين التفرغ من السابق، لذلك، أرى أن تفتح الشركة المشروع الجديد بكادر عماني متكامل للعمل فيه وتطبيقه في مدة أقلها عام، وبالتالي يستفيد الباحثين المستجدين عن عمل في تطوير مهاراتهم واكتساب الخبرة بالإضافة لمردود مالي نظير عملهم في المشروع كموظفين حقيقين، وخبرة تضاف لسيرتهم الذاتية كون معظم الوظائف الحالية تتطلب الخبرة التي لن تكتسب إلا عن طريق الوظيفة.
وكفرصة لعرض قدرات الكوادر العمانية المؤهلة، استغلال مقررات مشاريع التخرج التي يقدمها الطلاب في سنواتهم الأخيرة، واستدعاء عدد من أصحاب القرار في الشركات لحضور المشاريع ودعوتهم لتبني ما يستحق من المشاريع وأصحابهما وذلك لرفع ثقة أصحاب الشركات بالمواطن، وختاما حول فتح المشاريع الخاصة، لا بد من تسهيل الإجراءات والتراخيص أمام المواطن العماني لفتح مشروعه الخاص وصب القوانين في صالحه أولا.
لذلك تبقى سياسة التعمين سياسة ناجحة لحل أزمة التوظيف الحالية، فقط بحاجة لمزيد من التوسع والصرامة أمام الشركات المستثمرة في توظيف المواطنين في مؤهلات الأكاديمية وإتاحة الفرصة لهم في ساحات العمل.